التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب استقراض الإبل

          ░4▒ (بَابُ: اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ)
          2390- ذَكر فيه حديثَ أبي هريرة السَّالفَ في الوكالة [خ¦2306]، ثمَّ ترجم عليه باب: هل يُعطى أكبرَ مِنْ سنِّه [خ¦2392]، وباب: حسن القضاء [خ¦2393]، وذكرنا هناك اختلاف العلماء في استقراض الحيوان ولا بأس بإعادته، أجازه الأئمَّة: مَالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمدُ وإسحاق، واحتجُّوا بهذا الحديث، ولا يحلُّ عندنا وعند مالكٍ وأهل المدينة استقراضُ الإماء؛ لأنَّ ذلك ذريعةٌ إلى استحلال الفُروج، ومنع ذلك الكوفيُّون _أعني استقراضَ الحيوان_ وقالوا: لا يجوز استقراضُه؛ لأنَّ وجودَ مثلِه متعذِّرٌ غيرُ موقوف عليه، وقالوا: يحتمل أن يكون حديثُ أبي هريرة قبلَ تحريم الرِّبا ثمَّ حُرِّم الرِّبا بعد ذلك وحُرِّم كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً، ورُدَّت الأشياء المستقرضة إلى مثالها فلم يَجُزِ القرضُ إلَّا فيما له مِثلٌ. وحجَّة المجيز: محالٌ أن يستقرض الشَّارع شيئًا لا يقدر على أداء مثله، ولا يوصف ذلك بصفةٍ، ولو لم يكن إلى ردِّ مثله سبيلٌ لم يقترضه إذ كان أبعدَ الخلق مِنَ الظُّلم، واحتجَّ مَنْ فرَّق بينه وبين الإماء بأنَّه يُتَّخذ ذريعةً إلى استباحة الأبْضاع بذلك، والشَّرع قد احتاط فيه، وقال الأوَّلون: ردُّ الزيادة مِنْ غير شرطٍ مِنْ باب المعروف، وهو قولُ ابن عمرَ وابن المسيِّب والنَّخعيِّ والشَّعبيِّ وعطاءٍ والثَّوريِّ والشَّافِعِيِّ وأحمد وإسحاق وجماعةٍ.
          وقد اختلفَ أصحابُ مالكٍ فيه، فقال ابنُ حبيبٍ: لا بأس أن يردَّ أفضلَ ممَّا استقرض في العدد والجودة؛ لأنَّ الآثار جاءت بأنَّه _◙_ ردَّ أكثر عددًا في طعامٍ وإبلٍ، وأجاز أشهبُ أنْ يزيده في العدد إذا طابت نفسُه. وقال ابن نافعٍ: لا بأس أنْ يعطيَ أكثر عددًا إذا لم يكن له عادةً. وقال مالكٌ: لا يجوز أن يكون زيادةً في العدد، وإنَّما يصلح أن يكون في الجودة. وقال ابن القاسم: لا يعجبني أن يعطيَه أكثرَ في العدد ولا في الذَّهب والورِق إلَّا اليسير مثل الرُّجحان في الوزن والكيل، ولو زادَه بعد ذلك لم يكن به بأسٌ، وهو قول مالكٍ وإنَّما لم يجز أن يشترط أن يأخذ أفضل؛ لأنَّه يخرج مِنْ باب المعروف ويصير ربًا، ولا خلاف بين العلماء أنَّ اشتراط الزِّيادة في ذلك ربًا لا يحلُّ. والحاصل مِنَ الخلاف السَّالف عند المالكيَّة ثلاثةُ أقوالٍ في زيادة العدد، المشهور: منعُه، ثالثها: يغتفر القليل، والقليل إرْدَبَّانِ في مئةٍ.
          وفيه: التجافي والتَّجاوزُ عن إغلاظ الطَّالب.
          وقوله: (أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللهُ) يُقال: أَوْفى ووَفَّى.
          2394- وذَكر في آخر باب: حسن القضاء حديثَ جابر بن عبد الله قَالَ: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ _صلعم_ وَهُو فِي المَسْجِدِ _قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ ضُحًى_ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي) وهو وافٍ بما ترجم له.