التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة على من ترك دينًا

          ░11▒ (بَابُ: الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا)
          2398- ذَكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: (عَنِ النَّبِيِّ _صلعم_ قَالَ: مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا).
          2399- وحديثَه أيضًا: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ / عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَو ضَيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ).
          هذا الحديثُ ناسخٌ لترك الصَّلاة على مَنْ مات وعليه دَينٌ كما سلف واضحًا في الحوالة [خ¦2289]، قال الدَّاوُديُّ: وقوله: (اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ) أحسبه مِنْ كلام أبي هريرة، واعترضه ابن التِّيْنِ فقال: ليس كما ظنَّ؛ فقد رَوى جابرٌ أنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ قال: ((أَنَا أَولى بالمؤمنين مِنْ أنفسهم)) قال: وقيل: معنى الآية أنَّه _◙_ كان إذا أَمر بشيءٍ أو نهى عنه كان أمرُه أَولى بأن يُتَّبع مِنَ النَّفس وإن كان هواها في غيره.
          والضَّياع _بفتح الضَّاد المعجمة_: مصدرُ ضَاعَ يَضِيعُ ضَيعَةً وضَياعًا، ثم جُعل اسمًا لكلِّ ما هو مُرْصَدٌ أن يضيعَ مِنْ ولدٍ أو عيالٍ لا كافلَ لهم مِثل قوله: (وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا) أي عيالًا، فمَنْ ترك شيئًا ضائعًا كالأطفال ونحوهم فليأتِني ذلك الضَّائع، (فَأَنَا مَوْلاَهُ) أي وليُّه، مثل قولِه: {وَهُو كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل:76]، وقولِه: ((أيُّما امرأةٍ تزوَّجت بغير إذن وليِّها فنكاحُها باطلٌ))، ورواه بعضُهم بالكسر جمع ضائعٍ كجائعٍ وجِياعٍ، والأوَّل أصحُّ، وكذا قال ابن الجوزيِّ.
          وقوله: (فَلْتَرِثْهُ عَصَبَتُهُ) قال الدَّاوُديُّ: هو هنا الوَرثةُ مَنْ كانوا، ليس مَنْ يرث بالتَّعصيب، وهو كما قال، فإنَّ العاصب مخصوصٌ بمَنْ ليس له سهمٌ مقدَّرٌ مِنَ المُجمَع على توريثهم، فيرث كلَّ المال عند الانفراد، وما فضل بعد الفروض. وقيل: العَصَبَةُ: قرابة الرَّجل لأبيه سُمُّوا بِذلك مِنْ قولهم: عَصَبَ القومُ بفلانٍ، أي أحاطوا به، وهم كلُّ مَنْ يلتقي مع الميِّت في أبٍ واحدٍ، وعند ابن سُحْنون: الابن عَصَبةٌ وهذا صحيحٌ في الرِّجال، وأمَّا المرأة فلا تُسمَّى عصبةً على الإطلاق، والواحد عاصبٌ قياسًا، قاله الأَزهريُّ وغيره.