شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في الزلازل والآيات

          ░27▒ باب مَا قِيلَ فِي الزَّلازِلِ وَالآيَاتِ(1).
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم(2): (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ(3) حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ). [خ¦1036]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا(4)، قَالَ: هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا(5) يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ. [خ¦1037]
          قال المُهَلَّب: ظهور الزَّلازل والآيات أيضًا(6) وعيدٌ من الله ╡ لأهل الأرض، قال الله تعالى(7): {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}[الإسراء:59]، وكذلك قال النَّبيُّ صلعم في الرَّعد(8): (إنَّهُ وَعيدٌ شَديدٌ لأهلِ الأَرضِ(9))، والتَّخويف والوعيد بهذه الآيات إنَّما يكون عند المجاهرة بالمعاصي(10) والإعلان بها؛ ألا ترى قول عمر ☺(11) حين زُلزلت المدينة في أيَّامه: يا أهلَ المدينةِ، ما أسرعَ ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجنَّ من بين أظهركم. فخشي أن تصيبَه العقوبةُ معهم، كما قالت عائشة ♦(12): يا رسول الله أنهلك وفينا(13) الصَّالحون؟ قال: ((نَعَم إذا كثرَ الخبثُ وإذا هلكَتِ العامَّةُ بذنوبِ الخاصَّةِ بُعِثَ الصَّالحونَ(14) على نيَّاتِهم)).
          قال ابن المنذر: اختلفوا(15) في الصَّلاة عند الزَّلزلة وسائر الآيات، فقالت طائفةٌ: يُصلَّى عندها كما يُصلَّى عند الكسوف استدلالًا بقوله(16) صلعم: ((إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ))، وكذلك(17) الزَّلزلة والهادُّ وما أشبه(18) ذلك من آيات الله تعالى، وروِّينا عن ابن عبَّاسٍ أنَّه صلَّى في الزَّلزلة بالبصرة، وقال ابن مسعودٍ: ((إذا سَمعتُم هادًّا(19) مِنَ السَّماءِ(20) فافزَعوا إلى الصَّلاةِ))، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثورٍ، وكان مالكٌ والشَّافعيُّ لا يريان ذلك. وقال الكوفيُّون: الصَّلاة في ذلك حسنةٌ، يعني في الظُّلمة والرِّيح الشَّديدة(21).
          قال المؤلِّف: وقوله في هذا الحديث: ((فَإِذَا رَأَيْتُم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ)) تعمُّ الزَّلازل وجميع الآيات، فهو حجَّة لمن رأى الصَّلاة عند جميعها(22)، وحجَّة مالكٍ والشَّافعيِّ قوله(23) صلعم: ((فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا(24) فَصَلُّوا))، يعني الشَّمس والقمر المذكورين في أوَّل الكلام، وهما اللَّذان صلَّى فيهما ◙، ونقل ذلك من فِعْلِه(25).
          وأما سائر الحديث، فهي أشراط السَّاعة وعلاماتها، ونحن في ذلك(26)، قد قُبض العلم وظهرت الفتن وعمَّت وطبقت وكثر الهرج وهو(27) القتل، وكثر المال ولاسيَّما عند أراذل(28) النَّاس كما جاء في الحديث عند تقارب الزَّمان: ((يكون أسعدَ النَّاس في الدُّنيا(29) لُكَعُ بنُ لُكَعٍ، ويتطاوَلُ رُعاةُ الإبلِ البُهمِ في البنيانِ))، وقد(30) شاهدناه عيانًا، أعاذنا الله من سوء المنقلب وختم أعمالنا بالسَّعادة والنَّجاة من الفتن(31)، وسيأتي تفسير قوله: ((ويتقاربُ الزَّمانُ))، في كتاب الفتن، في باب ظهور الفتن(32)، [خ¦7061] فهو موضعه إن شاء الله تعالى.
          وقال(33) أبو الحسن بن القابسيُّ: سقط من حديث ابن عمر: عن النَّبيِّ صلعم، وهو لفظه صلعم لأنَّ مثل ذلك لا يُدرك / بالرَّأي.
          وقال المُهَلَّب: وإنَّما(34) ترك الدُّعاء لأهل المشرق _والله أعلم(35)_ ليضعفوا عن الشَّرِّ(36) الَّذي هو موضوعٌ في جهتهم، ولاستيلاء الشَّيطان بالفتن فيها، كما دعا على أهل مكَّة بسبعٍ كسبع يوسف ليؤدِّبهم بذلك، وكذلك دعا ◙ أن تُنقل الحمَّى إلى الجحفة، وذلك _والله أعلم_ لما رآه من أرداف(37) السَّوداء في المنام فتأوَّل(38) أنَّهم أحقُّ بمثل(39) هذا البلاء ليضعفوا عما كانوا عليه من أذى النَّاس.
          و(قَرْنُ الشَّيْطَانِ) أمَّته وحزبه، روى(40) معمرٌ(41) عن ابن طاوسٍ عن أبيه عن كعبٍ قال: يخرج الدَّجال من العراق، وقال: عن عبد الله بن عَمْرو بن العاصي قال: يخرج(42) الدَّجال من كوثى(43) من(44) الكوفة.


[1] قوله: ((باب ما قيل في الزلازل والآيات)) ليس في (ق).
[2] في (م) و(ق): ((أبو هريرة قال النبي صلعم)).
[3] في (ي): ((القتل القتل)).
[4] قوله: ((قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا)) ليس في (ص).
[5] في (ق): ((بها)).
[6] في (م) و(ق): ((إنما هو)).
[7] في (ق) و(ص): ((قال تعالى)).
[8] في (م) كتب تحتها: ((بيان: الوعيد)).
[9] في (م) و(ق): ((إنه وعيد لأهل الأرض شديد)).
[10] قوله: ((بالمعاصي)) ليس في (ص).
[11] قوله ((☺)) ليس في (م) و(ص).
[12] في (م) و(ق): ((زينب)). قوله ((♦)) ليس في (م) و(ص).
[13] قوله: ((وفينا)) زيادة من النسخ على (ز).
[14] في (ز): ((بعث الصالحين))، و في (ي): ((بعث الله الصالحون))، في (ص): ((بَعَثَ الله الصالحين))، والمثبت من (م) و(ق).
[15] في (ي): ((واختلفوا)).
[16] في (م) و(ق): ((وقالت طائفة يصلي عند الزلزلة وسائر الآيات استدلالًا بقوله)).
[17] في (م) و(ق): ((قالوا: فكذلك)).
[18] في (م) و(ق): ((وغير)).
[19] في (ص): ((هذا)).
[20] قوله: ((من السماء)) ليس في (ق).
[21] في (ي): ((والشديدة)) وفي (م) و(ق): ((الصلاة حسنة في الريح والظلمة)).
[22] زاد في (م): ((حجة)).
[23] في (ي): ((في قوله)).
[24] في (م) و(ص): ((رأيتموها)).
[25] قوله: ((قال ابن المنذر: اختلفوا في.... ذلك من فعله)) جاء في (م) و(ق) قبل قوله الآتي: ((باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد)).
[26] زاد في (م) و(ق): ((كله)).
[27] قوله: ((الهرج وهو)) ليس في (ق).
[28] في (م) و(ق): ((أرذال))، و في (ي) و(ص): ((أراذيل)).
[29] في (م) و(ق): ((بالدنيا)).
[30] في (م) و(ق): ((وهذا قد)).
[31] قوله: ((أعاذنا الله من سوء المنقلب وختم أعمالنا بالسعادة والنجاة من الفتن)) ليس في (ق).
[32] قوله: ((في باب ظهور الفتن)) ليس في (ق).
[33] في (ص): ((قال)).
[34] في (م): ((قال المهلب وإنما)).
[35] قوله: ((والله أعلم)) ليس في (ص).
[36] في (ص): ((الشرك)).
[37] في (ق): ((أدراب)). في (ص): ((أردف)).
[38] في (م) و(ق): ((وتأول)).
[39] في (ق): ((لمثل)).
[40] في (ق) و(م) و(ص): ((وروى)).
[41] في (ص): ((معتمر)).
[42] في (م): ((العاصي يخرج)).
[43] في النسخ غير (م): ((كور)) والمثبت من (م).
[44] قوله: ((من)) ليس في (ص).