شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب دعاء النبي: اجعلها عليهم سنين كسني يوسف

          ░2▒ باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلعم اللَّهُمَّ(1) اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الأخِيرَة يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ على مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا(2) سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ)، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ(3): (غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ)، هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ(4). [خ¦1006]
          فيه(5): عَبْدُ اللهِ: (أنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ)، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إلى السَّمَاءِ، فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ(6) هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ اللهُ ╡: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} إلى قَوْلِهِ: {عَائِدُونَ. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}[الدخان:15-16]، فَالْبَطْشَةُ(7) يَوْمَ(8) بَدْرٍ، فَقَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ والدُّخَانُ(9) وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ. [خ¦1007]
          فيه جواز الدُّعاء على الكفَّار بالجوع(10) والجهد وغيره، قال المُهَلَّب: وإنَّما دعا عليهم بالسَّبع سنين(11) _والله أعلم_ إرادةَ أن يضعفهم بالجوع عن طغيانهم؛ فإن نفس الجائع أخشع لله ╡ وأقرب للانقياد والتَّذلُّل، فأجاب الله تعالى دعوته وأعلمه أنَّهم سيعودون بعد أن يرغبوا في ردِّ العذاب عنهم.
          وفيه: الدُّعاء على الظَّالم بالهلاك. وفيه: الدُّعاء لأسرى(12) المؤمنين بالنَّجاة من أيدي العدوِّ.
          وفيه: جواز(13) الدُّعاء في صلاة الفريضة بما ليس في القرآن، بخلاف قولِ(14) الكوفيِّين، وذكر أبو الزِّناد في حديث أبي هريرة أنَّ ذلك كان في صلاة الصُّبح.
          وقال(15) المُهَلَّب: والدُّعاء على المشركين يختلف معناه، فإذا كانوا منتهكين لحُرَم الدِّين وحُرَم أهله فالدُّعاء عليهم واجبٌ، و على كلِّ من سار بسيرتهم(16) من أهل المعاصي في الانتهاك، فإن لم ينتهكوا حرم(17) الدِّين وأهله وجب أن يُدعَى لهم بالتوبة كما قال ◙ حين سُئل أن يدعوَ على دَوسٍ فقال: ((اللَّهُمَّ اهد دوسًا وائت بهم))، وقيل: إنَّما يجب أن يكون الدُّعاء على أهل المعاصي(18) في حين انتهاكهم، وأمَّا عند تركهم وإدبارهم عن الانتهاك فيجب أن يُدعى لهم بالتَّوبة. ورُوي أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق وزوجته ☻ كانا يدعوان على عبد الرَّحمن ابنهما يوم بدر بالهلاك إذ(19) حمل على المسلمين، وإذا(20) أدبر يدعوان(21) له بالتَّوبة.
          وفي قوله: (غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) الدُّعاء للمؤمنين بالمغفرة، وتَفَاءَل لهما ◙ من أسمائهما فَأْلًا حسَنًا، وكان يعجبه الفأل الحسن، وقال الخطَّابيُّ(22): وقوله: (غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا(23)) فنرى _والله أعلم_ أنَّما خصَّهم بالدُّعاء والمغفرة لمبادرتهم إلى الإسلام ولحسن بلائهم فيه(24)، ودعا لأسلم لأنَّ إسلامهم كان سلمًا من(25) غير خوفٍ(26)، ويُقال: كان مع رسول الله صلعم يوم حنين من أسلم أربعمائة ومن غفار مثلها.
          وقوله: (حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ) يعني(27) أذهبته، قال(28) صاحب «العين(29) »: يقال: الحصَّاء(30) السَّنة الجرداء، والحَصُّ إذهاب الشَّعر، والبيضة تحصُّ رأس(31) صاحبها، ومن أمثال العرب(32): «أفلَتَ وانحصَّ الذَنَبُ»، يُقال للذي تفلَّت من منتشبٍ، وأصله(33) الطَّائر يفلت من يد الإنسان فيبقى في يديه من ريش ذنَبه بقيَّةً(34). /


[1] قوله: ((اللَّهُمَّ)) ليس في (م) و(ق).
[2] زاد في (ق): ((عليهم)).
[3] في (م) و(ق): ((كسني يوسف، وقال)).
[4] في (ق): ((الصحيح)).
[5] في (ص): ((وفيه)).
[6] زاد في (م) و(ق): ((قد)).
[7] في (م) و(ق) و (ي): ((والبطشة)).
[8] قوله: ((يوم)) ليس في (ص).
[9] في (م) و (ق): ((وقد مضى الدخان والبطشة)).
[10] في (م): ((بالإهلاك بالجوع))، و في (ق): ((بالإهلاك)).
[11] قوله: ((سنين)) ليس في (ق).
[12] في (م): ((للأسرى)).
[13] قوله: ((جواز)) ليس في (م) و (ق).
[14] قوله: ((قول)) زيادة من النسخ على (ز).
[15] في (م) و (ق) و(ص): ((قال)).
[16] في (ص): ((بسيرهم)).
[17] في (ص): ((حرمة)).
[18] قوله: ((والانتهاك فإن لم ينتهكوا حرمة.... على أهل المعاصي)) ليس في (ق).
[19] في (م)و(ق) و (ي) و(ص): ((إذا)).
[20] في (م) و (ق): ((فإذا)).
[21] في (م) و (ق): ((دعوا)).
[22] في (ق): ((الطحاوي)).
[23] زاد في (ق): ((وأسلم سالمها الله)).
[24] في (م) و (ق): ((أو لحسن بلائهم في الإسلام)).
[25] في (م) و(ق): ((عن)).
[26] في (ق) و(م) و(ص): ((حرب)).
[27] في (ق): ((بمعنى)).
[28] زاد في (م) و (ق): ((صاحب الأفعال يقال حصت السنة النبات أذهبته فهي حصاء وقال)).
[29] في (ز) و (ي): ((الأفعال)). وبعدها فيهما: ((الحص)) والمثبت من (م) و(ق) و(ص) وهو الموافق لكتاب العين «حص»
[30] في (ص): ((الحص)).
[31] قوله: ((رأس)) ليس في (ز)، والمثبت من باقي النسخ.
[32] في (ق): ((ومن امتثال العرب))، و في (ي): ((ومن امتثال)).
[33] في (ق): ((فأصله)).
[34] في (م) و (ق): ((فيبقى من ريش ذنبه في يده بقية)).