شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء

          ░16▒ باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الاسْتِسْقَاءِ.
          فيه: عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ(1): (خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلى(2) الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، / ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ). [خ¦1024]
          السُّنَّة المجتمع(3) عليها الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء، وإنَّما اختُلف في قراءة صلاة الكسوف على ما يأتي بعد هذا في موضعه(4)، [خ¦1065] إن شاء الله تعالى.
          وهذا الحديث، يدلُّ أنَّ الخطبة في الاستسقاء قبل الصَّلاة؛ لأنَّه قال فيه أنَّه استسقى وتوجَّه إلى القبلة يدعو، وحوَّل رداءه، وصلَّى(5) ركعتين، و(ثُمَّ) للترتيب(6) في كلام العرب، ويدلُّ أنَّ الثَّاني بعد الأوَّل.
          وممَّن رُوي عنه أنَّ الخطبة قبل الصَّلاة في ذلك(7) عُمَر بن الخطَّاب وابن الزُّبير والبراء بن عازبٍ وزيد بن أرقم وعمر بن عبد العزيز، وهو قول اللَّيث. وقال مالكٌ وأبو يوسف ومحمَّدٌ والشَّافعيُّ: يبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة، وحجَّتهم ما رواه أبو بكر بن حزمٍ عن عَبَّاد بن تميمٍ عن عبد الله بن زيدٍ: ((أنَّ النبيَّ صلعم خرجَ يَستَسقِي، فصلَّى ركعتينِ، وقلبَ رداءَهُ))، ذكرَه البخاري في باب الاستسقاء في المصلَّى [خ¦1027] فذكر تقديم الصَّلاة على الخطبة، في(8) هذا الحديث أبو بكر بن حزمٍ، وهو أضبط للقصَّة من ابنه عبد الله الَّذي ذكر تقديم الخطبة قبل الصَّلاة. واحتجُّوا أيضًا بما رواه النُّعمان بن راشدٍ عن الزُّهري عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال: ((خرجَ النَّبيُّ صلعم يَستَسقي فصلَّى بِنا ركعتينِ بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، ثمَّ خطَبَنا ودعا وقلبَ رداءَهُ(9)))، والنُّعمان بن راشدٍ وإن كان كثير الوهم على الزُّهري فإنَّ رواية أبي(10) بكر بن حزمٍ تشهد لحديثه بالصِّحة.
          واحتجَّ الطَّحاويُّ لأصحابه في ذلك(11) فقال: لمَّا اختلفت الآثار في ذلك نظرنا فوجدنا الجمعة فيها خطبةً، وهي قبل الصَّلاة، ورأينا العيدين فيها(12) خطبةً، وهي بعد الصَّلاة، فأردنا أن ننظر(13) خطبة الاستسقاء بأيِّ الخطبتين هي أشبه، فرأينا خطبة الجمعة فريضةً، وصلاة الجمعة بها(14) مضمَّنةٌ لا تجزئ إلَّا بها، ورأينا خطبة العيدين ليست كذلك؛ لأنَّ صلاة العيدين تجزئ أيضًا(15) وإن لم يكن معها خطبةٌ، ثمَّ رأينا صلاة الاستسقاء تُجزئ أيضًا وإن لم يخطب، وإن كان قد أساء في ترك(16) الخطبة فيها، فكانت بحكم(17) صلاة العيدين أشبه منها بخطبة الجمعة(18).


[1] زاد في (م): ((قال)).
[2] في (ص): ((نحو)).
[3] في (ق): ((المجمع)).
[4] في (م) و (ق): ((يأتي في موضعه بعد هذا)).
[5] في (م) و (ق): ((ثم صلى)).
[6] في (م) و (ق): ((وثم تعطي الترتيب)).
[7] في (ص): ((أنَّ الخطبة في الصَّلاة قبل ذلك)).
[8] في (ص): ((وفي)).
[9] في المطبوع: ((ودعا وصلى)).
[10] في (ص): ((أبو)).
[11] قوله: ((في ذلك)) ليس في (م) و(ق).
[12] في (م): ((فيهما)).
[13] في (م) صورتها: ((ننتظر في)).
[14] قوله ((بها)) ليس في (ق).
[15] قوله: ((أيضًا)) ليس في (م).
[16] في (م) و (ق): ((أساء من ترك))، في (ص): ((أساء بترك)).
[17] في (ق): ((كحكم)).
[18] في (ص): ((بالخطبة للجمعة)).