شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء

          ░21▒ باب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإمَامِ فِي الاسْتِسْقَاءِ.
          فيه أَنَسٌ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ(1)، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدَيْهِ يَدْعُو(2)، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم يَدْعُونَ، قَالَ(3): فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الأخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إلى رسول اللهِ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ(4) الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ). وذكر بعد هذا حديث: [خ¦1029] [خ¦1030]
          أَنَس قال(5): (كَانَ النَّبِيُّ صلعم لا يرَفَعَ يَدَيْهِ في شيءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا في الاسْتِسْقَاءِ، وإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ(6) حَتَّى يرى بَيَاض إِبْطَيْهِ).
          وترجم له: باب رفع الأيدي في الاستسقاء.
          قال المُهَلَّب: رفع اليدين في الاستسقاء وغيرِه مستحبٌّ؛ لأنَّه خضوعٌ وتذلُّلٌ وتضرُّعٌ إلى الله ╡، ورُوي(7) عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((إنَّ الله حييٌّ(8)، يَستحِي إذا رفعَ العبدُ إليهِ يديَهِ(9) أنْ يردَّهما صفرًا)).
          وذكر ابن حبيبٍ قال: كان مالكٌ يرى رفع اليدين في الاستسقاء للنَّاس والإمام وبطونهما إلى الأرض، وذلك العمل عند الاستكانة والخوف والتَّضرُّع، وهو الرَّهَبُ، وأمَّا(10) الرَّغبة والمسألة فتبسط الأيدي، وهو الرَّغَبُ(11) وهو معنى قول الله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا(12) رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء:90]، خوفًا وطمعًا، وروى عليٌّ(13) عن مالكٍ في «المجموعة» أنَّه استحسن رفع الأيدي في الاستسقاء، والحجَّة له قول أنس: أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء(14). وقال ابن القاسم في «المدوَّنة»: يرفع(15) يديه في الاستسقاء ومواضع الدُّعاء، ومن مواضع الدُّعاء الصَّفا والمروة وعند الجمرتين وبعرفات وبالمشعر الحرام رفعًا خفيفًا ولا يمدُّ يديه رافعًا. وسيأتي اختلاف(16) العلماء في رفع اليدين في الدعاء، في باب رفع الأيدي في الدُّعاء في كتاب(17) الدعاء [خ¦6341] إن شاء الله تعالى.
          وذكر(18) الرُّواة في هذا الحديث: (بَشِقَ المُسَافِرُ) بالباء، ولم أجد له في اللُّغة معنى(19)، ووجدت له(20) في: «نوادر اللِّحيانيِّ»: (نَشِقَ) بالنُّون وكسر الشِّين وارْتَبَق وانْرَبَق بمعنى نَشِبَ، و على هذا(21) يصحُّ المعنى لقوله: / ومُنع الطَّريق. وقال كراع: نَشِقَ الصَّيد في الحِبالة نشقًا نَشِبَ، وكذلك فَرَاشة القُفْل، وأنشد ابن الأعرابيِّ لبعض بني نمير(22):
وإنَّ(23) حُبْلًا لم يَنْشِقَا في حِبالـةٍ                     وإِن يُرصَدا يومًا يَخِبْ مَرْصداهمـا(24)
          وقال المطرِّز: النُّشقة: حبالة الصَّائد، وقال أبو عبيدٍ في «الغريب(25) المصنَّف»: الرِّبقة والنُّشقة: الحلقة التي تُشدُّ بها الغنم.


[1] قوله: ((هلكت الماشية)) ليس في (م) و(ق).
[2] في (ص): ((فيدعوا)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[4] في (ص) صورتها: ((ليس)) لكن غير منقوطة.
[5] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((يديه)) ليس في (م) و(ق).
[7] في (م) و (ق): ((روي)).
[8] زاد في (م) و(ق): ((كريم)).
[9] في (م) و (ق): ((رفع إليه عبده يديه)).
[10] زاد في (م) و (ق) و(ص): ((عند)).
[11] في (ص): ((الرِّغبَةُ)).
[12] في (م) و(ق): ((يدعوننا)).
[13] عليٌّ المذكور لعله علي بن زياد التونسي (ت183هـ). قوله: ((عليٌّ)) ليس في (ص).
[14] قوله: ((والحجَّة له قول أنس...إلا في الاستسقاء)) ليس في (ص).
[15] في (م) و(ق): ((ويرفع)).
[16] في (ق): ((اختلف)).
[17] في (ص): ((باب)).
[18] في (ي): ((وذكره)).
[19] في (م) و (ق): ((ذكرًا)).
[20] قوله: ((له)) ليس في (م) و (ق). في (ص): ((أو وجدته)).
[21] في (م) و (ق): ((وبهذا)).
[22] في (م) صورتها: ((زبير))، و في (ق): ((لبعض ذبير)).
[23] في (ق): ((قال)).
[24] في (م): ((مراصدهما)).
[25] قوله: ((الغريب)) زيادة من (م) و(ق)، وهي ليست في (ص)، وفي (ي): ((في المنصف)).