شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته

          ░24▒ باب مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى تَحَادَرَ على لِحْيَتِهِ(1).
          فيه: أَنَسٌ: (قَدمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَثَارَ سَحَابٌ(2) أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ(3) لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ على لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا إلى الْجُمُعَةِ الأخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِيهِ إلى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ وصَارَتِ(4) الْمَدِينَةُ(5) مِثْل الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، قَالَ(6): فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ). [خ¦1033]
          فيه: دليلٌ أنَّه يُستزادُ من المطرِ وإن كانَ نازلًا في حين الاستزادةِ، وأن يُصبر(7) للبللِ ولا يُنكر(8) وقعُه في الثِّيابِ وغيرِها عندَ حاجةِ النَّاسِ إليه، وكذلك في كلِّ نعمةٍ وفضلٍ يُستزادُ اللهُ منه ويُسأل(9)، وإن كان في حين(10) الدُّعاء دَارًّا موجودًا. وفيه: بركةُ دعوة النَّبيِّ صلعم.
          وتمطَّر(11) للمطر معناه تعرَّض(12)، وتفعَّل عند العرب تأتي بمعنى أخذك من الشَّيء بعضًا بعدَ بعضٍ، نحو تحسَّيت الحساء وتنقَّصَته الأيَّام.
          وقوله: (حَتَّى صَارَت المدِينَة(13) مِثْلَ الجَوْبَةِ) قال ابن دريدٍ: الجوبةُ الفجوةُ بين البيوتِ، والجوبةُ أيضًا قطعةٌ في(14) الفضاء سهلةٌ بين أرضين غلاظٍ، فيحتمل أن يكون: حتَّى صارت في مثل الشَّيء المنقطع من السَّحاب، والجَوب القطع والشَّق(15)، فالمعنى أنَّ السَّحاب يقطع حول المدينة مستديرًا(16) وابيضَّ ما(17) عليها من السَّحاب(18)، وصار كالردع في بياضه وانقطاعه على قول الخليل، و على قول ابن دريدٍ: حتَّى انكشف عن المدينة و(19) باينت(20) الأرضين المجاورة(21)، كمباينة الجوبة التي هي القطعة السَّهلة من الأرض لما حولها(22) من الأرضين الغلاظ.
          وفي هذا الحديث: (وَادِي قَنَاةِ) على الإضافة غير مصروفٍ(23)؛ لأنَّه معرفةٌ، وقد تقدَّم في كتاب الجمعة [خ¦933] ((حتَّى سَالَ الوَادي قناةُ)) على البدل غير مصروفٍ أيضًا؛ لأنَّه بدلٌ من معرفةٍ.
          والجود المطر الغزير.


[1] قوله: ((وفي كتاب «الأفعال»: صاب.... تَحَادَرَ على لِحْيَتِهِ)) ليس في (ق).
[2] في (ص): ((السَّحاب)).
[3] في (ق): ((و)).
[4] في (م) و (ق): ((حتى صارت)). في (ص): ((وصار)).
[5] زاد في (ق) و (م): ((في)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[7] في (ص): ((يَصبر)) بفتح أوله.
[8] في (م) و(ق): ((ينكره)).
[9] زاد في (م) و(ق): ((إياه)).
[10] في (م): ((حال)).
[11] في (م): ((وقوله: تمطر)).
[12] زاد في (م): ((له)).
[13] زاد في (م): ((في)).
[14] في (ص): ((من)).
[15] في (م) و(ق): ((والجوب الشق والقطع)).
[16] في (ق): ((وانكشف عنها السحاب)).
[17] قوله: ((ما)) ليس في (ص).
[18] كتب في حاشية(م): ((ليس في الأصل: وأبيض ما عليها من السحاب)).
[19] في (ق): ((حتى)). قوله: ((وابيضَّ ما عليها... انكشف عن المدينة و)) ليس في (ق). وفي (م): ((حتى انكشف عنها السحاب حتى باينت)).
[20] في (ص) صورتها: ((وبانى)).
[21] زاد في (م): ((لها)).
[22] في (م) و(ق): ((حواليها)).
[23] في (م) و (ق): ((ولم يصرفه)).