شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كيف حول النبي ظهره إلى الناس

          ░17▒ باب كَيْفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ صلعم ظَهْرَهُ لَلنَّاسِ(1).
          فيه: عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم، يَوْمَ خَرَجَ ليَسْتَسْقِي(2)، فَحَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَه ثُمَّ صَلَّى(3)) الحديث.
          وترجم له: باب استقبال القبلة في الاستسقاء، وزاد فيه: (أَنَّهُ لمَّا دَعَا أَوْ(4) أَرَادَ أَنْ يَدْعُو اسْتَقْبَلَ القِبْلَة وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ). [خ¦1025]
          وسنَّة(5) من برز إلى الاستسقاء أن يستقبل القبلة ببعض دعائه، وسنَّة من خطب النَّاس مُعَلِّمًا لهم وواعظًا أن يستقبلهم بوجهه أيضًا، ثمَّ يعود عند دعاء الاستسقاء فيستقبل القبلة؛ لأنَّ الدُّعاء مستقبل القبلة أفضل.
          وقوله: (لمَّا(6) دَعَا أو َرَادَ أَنْ يَدْعُو اسْتَقْبَلَ القِبْلَة وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) فإنَّ قول مالكٍ وأصحابه اختلف في وقت تحويل الإمام رداءه، فروى ابن(7) القاسم وابن عبد الحكم(8): أنَّه يقلب رداءه إذا فرغ من الخطبة، وروى عنه عليُّ بن زيادٍ: أنَّه يقلبه بين ظهراني خطبته. وقال ابن الماجِشُون: يقلبه بعد صدرٍ منها، وقال أَصْبَغ: إذا أشرف على فراغ الخطبة قلب رداءه، وهذه الأقوال(9) كلُّها خارجةٌ من هذا الحديث من أجل شكِّ المحدِّث(10) في تحويل الرِّداء إن كان بعدَ الدُّعاء أو قبلَه، وبالله التوفيق.
          قال الطَّحاويُّ: وقول(11) عبد الله بن زيدٍ: (إِنَّ النَّبِيَّ صلعم خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، وَحَوَّلَ(12) رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْن)، ولم يذكر فيه تكبيرًا كتكبير العيدين.
          وقول(13) الشَّافعيِّ: إنَّ تكبير الاستسقاء كتكبير العيدين(14)، واحتجَّ بما رواه هشام بن إسحاق عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم خرجَ في الاستسقاءِ متذِّلِلًا(15) متواضعًا ودعا / وصلَّى ركعتينِ كما يُصلِّي في العيدينِ)). قال الطَّحاويُّ: وهشام بن إسحاق وأبوه غير مشهورين بالعلم ولا تثبت(16) بروايتهما حجَّةٌ، وقوله: ((كَصَلَاةِ العِيْدَيْنِ)) يحتمل أنَّه صلَّى ركعتين، فكان التَّشبيه واقعًا من جهة العدد(17) لا من جهة التَّكبير كما قال تعالى: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}[الأنعام:38].
          ولم يكن المراد أنَّها أممٌ أمثالنا في النُّطق والتَّعبُّد وإنَّما أراد(18) أممٌ كما نحن أممٌ.


[1] في (م): ((إلى الناس)).
[2] في (م): ((يستسقي)).
[3] في (ص): ((يدعوا وحَوَّل رِدَاءَه وصَلَّى)).
[4] في (ق): ((و)).
[5] في (م): ((سنة)).
[6] في (م): ((فإنه))، و في (ق): ((وإنه)).
[7] قوله: ((ابن)) ليس في (ص).
[8] زاد في (م) و(ق): ((عنه)).
[9] في (ق): ((الأمور)).
[10] قوله: ((من أجل شكِّ المحدِّث)) ليس في (ص).
[11] في (ق): ((قول)). في (م): ((وقال الطحاوي قول)).
[12] في (م) و (ق): ((ثم حول)).
[13] في (م): ((يرد قول)).
[14] قوله: ((وقول الشافعي: إن تكبير الاستسقاء، كتكبير العيدين)) ليس في (ق).
[15] في (ز) و(ي): ((متبذِّلًا)) والمثبت من (م) و(ق).
[16] في (ص): ((ولا يثبت)).
[17] في (ص): ((القدر)).
[18] زاد في (م) و(ق): ((أنها)).