شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

          ░13▒ باب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ.
          فيه: ابْنُ مَسْعُودٍ: (أَنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُوا عَنِ الإسْلامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبيُّ صلعم، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ(1) أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ(2) تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قد هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}(3)[الدخان:10]، ثُمَّ عَادُوا إلى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى(4): {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}[الدخان:16]يَوْمَ بَدْرٍ).
          وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ (فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلعم فَسُقُوا الْغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ، قَالَ(5): اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، فَانْحَدَرَت السَّحَابَ(6) عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ(7) حَوْلَهُمْ). [خ¦1020]
          قال المُهَلَّب: استشفاع المشركين بالمسلمين جائزٌ إذا رُجي رجوعهم إلى الحقِّ، وكانت هذه القصَّة والنَّبيُّ صلعم بمكَّة قبل الهجرة.
          وفيه: دليلٌ أنَّ الإمام إذا طمع بدارٍ من دور الحرب أن يُسلم أهلها أن يرفق بهم ويأخذ عفوهم ويدعو(8) لهم بالصَّلاح ويكفَّ عن ثمارهم وزروعهم، وأمَّا إن يئس من إنابتهم فلا يدعو لهم بل يدعو عليهم، ولا بأس حينئذٍ بقطع ثمارهم وزروعهم.
          وفيه: إقرار المشركين والمنافقين بفضل النَّبيِّ صلعم وقرب مكانه(9) من ربِّه، وأنَّه المستشفع(10) عنده فيما سأله إيَّاه(11)، وأنَّ تلك عادة من الله عَلِمُوها(12)، ولولا ذلك ما لجؤوا إليه في كشف ضرِّهم(13) عند إشرافهم على الهلكة، فسألوه(14) أن يكون وسيلةً إلى الله ╡ في إزالة ضرِّهم، وذلك أدلُّ(15) الدَّليل على معرفتهم بصدقه، ولكن حملهم الحسد والأنفة على معاداته(16) ومخالفته لما سبق في أمِّ الكتاب من كفرهم، أعاذنا الله من العناد، ومكابرة العيان.


[1] في (م) و (ق): ((فأخذتهم [في (ق): ((وأخذتهم))] سنة حصت كل شيء فجاء)).
[2] في (م) و(ق): ((إنك)).
[3] زاد في (م) و (ق): ((الآية)).
[4] قوله ((تعالى)) ليس في (ق) و (ي) و(ص).
[5] في (م): ((فقال)).
[6] في (م) و(ق): ((السحابة)). في (ص): ((فانحدر السحاب)).
[7] قوله ((فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا.... فَسُقُوا النَّاسُ)) ليس في (ي).
[8] في (ص): ((ويدعوا)) كذا في المواضع الآتية.
[9] في (ق): ((مكانته)).
[10] في (م) و (ق): ((المشفَّع)).
[11] قوله ((إياه)) ليس في (ق).
[12] في (م) و(ق): ((تيقنوها)).
[13] قوله ((وأن تلك عادة من الله... كشف ضرِّهم)) زيادة من النسخ على (ز).
[14] في (م) و (ق): ((ولولا ذلك ما لجؤوا إليه عند إشرافهم على الهلكة في كشف ضرهم ولا سألوه)).
[15] في (ق): ((أن)).
[16] في (م): ((معاندته)).