شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدعاء إذا تقطعت السبل من كثرة المطر

          ░10▒ باب الدُّعَاءِ إِذَا انقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ.
          فيه: أَنَسٌ: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلعم، فَمُطِرُوا(1) مِنْ جُمُعَةٍ إلى جُمُعَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتقَطَّعَتِ(2) السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: اللَّهُمَّ على رُؤُوسِ الْجِبَالِ وَالآكَامِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ(3) عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ). [خ¦1017]
          وترجم له باب الدُّعاء إذا كثر المطر: حوالينا ولا علينا(4)، وزاد أنسٌ هذا اللَّفظ في حديثه.
          قال المؤلِّف(5): فيه الدُّعاء إلى الله سبحانه في الاستصحاء كما يُدعى في الاستسقاء؛ لأنَّ كلَّ ذلك بلاءٌ يُفزع إلى الله سبحانه في كشفه، وقد سمَّى الله تعالى كثرة المطر أذًى فقال تعالى: {إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ}[النساء:102]، ولا(6) يحوِّل(7) الرِّداء في الاستصحاء إذ لا بروز فيه ولا صلاة تُفرد له(8)، وإنَّما يكون الدُّعاء في الاستصحاء في خطبة الجمعة، أو في أوقات الصَّلوات وأدبارها.
          وفيه من الفقه: استعمال أدب النَّبيِّ(9) صلعم المهذَّب وخلقه العظيم؛ لأنَّه لم يدع إلى(10) الله تعالى ليرفع(11) الغيث جملةً لئلَّا يردَّ على الله فضله وبركته وما رغب إليه فيه وسأله إيَّاه فقال: (اللَّهُمَّ على رُؤُوسِ الْجِبَالِ وَالآكَامِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ)؛ لأنَّ(12) المطر لا يضرُّ نزوله في هذه الأماكن. وقال: ((اللَّهُمَّ حَوالَينا ولا علَينا))، فيجب امتثال ذلك في نعم الله إذا كثرت، ألَّا يُسأل الله ╡(13) قطعها وصرفها(14) عن العباد.
          وقوله: (انْجَابَتْ(15) عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ)، تقول العرب(16): جِبْت القميص قوَّرت جيبه، عن ابن قتيبة، ومنه قوله تعالى: {جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}[الفجر:9]، قطعوه(17) ونقبوه ونحتوه، ومنه: جِبت(18) الرحى إذا نقبت وسطها مثل جيب القميص، فشبَّه انقطاع السَّحاب من(19) المدينة بتدوير انجياب(20) الثَّوب إذا قُوِّر جيبه وفُتح.


[1] في (م) و(ق): ((فمطرنا)).
[2] في (ق): ((وانقطعت)).
[3] في (ص): ((فانجاب)).
[4] في (ق): ((المطر: اللَّهُمَّ علينا ولا حوالينا)).
[5] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و (ق).
[6] في (م) و (ق): ((وفيه أنه لا)).
[7] في (ق): ((يجوز)).
[8] في (م): ((صلاة فيه يفرد به))، و في (ق): ((ولا صلاة له تفرد له)).
[9] في (م) و (ق): ((أدبه)).
[10] قوله: ((إلى)) ليس في (ص).
[11] في (ق) و (م): ((يدع على الله تعالى ان يرفع)).
[12] في (م) و (ق): ((فإن)).
[13] في (ق): ((أن لا يسأل ╡)). في (ص): ((أن لا يسأل أحد)).
[14] قوله: ((وصرفها)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((فانجابت)).
[16] قوله: ((عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ تقول العرب)) ليس في (ص).
[17] في (ق): ((بالوادي أي قطعوه)).
[18] في (ص): ((وجبت)).
[19] في (م): ((عن)).
[20] في (م) و (ق): ((بانجياب)).