شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في الغرس

          ░21▒ بَابُ مَا جَاءَ في الزَّرْعِ.
          فيهِ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ(1): (كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ سِلْقٍ لَنَا كُنَّا نَغْرِسُهُ في أَرْبِعَائِنَا، فَتَجْعَلُهُ في قِدْرٍ لَهَا فَتَجْعَلُ فِيْهِ حَبَّاتٍ(2) مِنْ شَعِيرٍ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ(3) لَيْسَ فِيهِ شَحْمٌ، وَلَا وَدَكٌ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الجُمُعَةَ زُرْنَاهَا، فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى، [ونَقِيْلُ إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ). [خ¦2349]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَاللهُ المَوْعِدُ(4)، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ(5)...) الحديثَ. [خ¦2350]
          في هذا الحديث عمل الصَّحابة في الحرث والزَّرع بأيديهم، وخدمة ذلك بأنفسهم، ألا ترى قول أبي هريرةَ: (وَإِنَّ إِخْوَاني مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ) وكذلك المرأة العجوز كانت تغرس السِّلق للنَّبيِّ صلعم وأصحابه ففي هذا أنَّ الامتهان في طلب المعاش للرِّجال والنِّساء مِنْ فعل الصَّالحين، وأنَّه لا عارٌ فيه ولا نقيصةٌ على أهل الفضل.
          قالَ المُهَلَّبُ: وفيه إجابة المرأة الصَّالحة إلى الطَّعام، وفيه دليلٌ على التَّهجير بالجُمُعْةِ والمبادرة إليها عند أوَّل الزَّوال، وإنَّما كانوا يشغلون بالغسل ومراعاة التَّهجير عن قائلتهم المعروفة في سائر الأيام، فلا يجدون السَّبيل إليها إلَّا بعد الصَّلاة لا أنَّهم كانوا يصلُّونها قبل زوال الشَّمس، كما ظنَّ بعض النَّاس وخالف كتاب اللهِ تعالى في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء:78]وقد تقدَّم هذا في كتاب الجُمُعْةَ [خ¦938].]
(6)


[1] قوله: ((ابن سعد)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((فتجعله في قدر لها مع حبات)).
[3] قوله: ((لا أعلم إلَّا أنَّه قال)) ليس في (ز).
[4] زاد في المطبوع: ((وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ حديثه، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ)).
[5] زاد في المطبوع: ((وَكُنْتُ امْرًا مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ على مِلْءِ بَطْنِي، وَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَالَ ◙ يَوْمًا: إن يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثمَّ يَجْمَعَهُ إلى صَدْرِهِ، فَلا يَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا)).
[6] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).