شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قطع الشجر والنخل

          ░6▒ بَابُ قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخيلِ(1)
          وَقَالَ أَنَسٌ أَمَرَ النَّبيُّ صلعم بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ.
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (أنَّ النبَّيَّ صلعم حَرَّقَ(2) نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ البُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ:
وَهَـانَ(3) عَلَى سَـرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيـقٌ بِالبُوَيْـرَةِ مُسْتَطِيْـرُ) [خ¦2326]
          فيهِ(4) رَافِعٌ: (كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مُزْدَرَعًا(5) كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ(6): فمِمَّا(7) يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَمِمَّا تُصَابُ الأَرْضُ(8) وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ) [خ¦2327]
          قالَ المُهَلَّبُ: يجوز قطع الشَّجر والنَّخل لخشبٍ يتَّخذ منه، وليخلَّى(9) مكانها لزرعٍ أو غيره ممَّا هو أنفع منه يعود على المسلمين مِنْ نفعه أكثر ممَّا يعود مِنْ بقاء الشَّجر، لأنَّ(10) النَّبيَّ صلعم قطع النَّخل بالمدينة، وبنى في موضعه مسجده الَّذي كان منزل الوحي ومحلَّ الإيمان، وقد تقدَّم قطع شجر المشركين / وتخريب بلادهم في كتاب الجهاد [خ¦3021]، ونذكر منه طرفًا في هذا الباب.
          احتجَّ مَنْ أجاز قطع شجر المشركين وكرومهم بقطع الرَّسُولِ(11) نخل بني النَّضير، وذهبت طائفةٌ مِنَ العلماء(12) إلى أنَّه إذا رُجي أن يصير البلد للمسلمين(13)، فلا بأس أن يترك(14) ثمارهم، والوجهان جائزان، لأنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ☺ أمر ألا يُقطع شجرٌ مثمرٌ، ولم يجهل ما فعل النَّبيُّ صلعم بنخل بني النَّضير، وما اعتلَّ به مَنْ قال:(15) إذا رُجي أن يصير البلد إلى المسلمين(16) فلا يقطع، وليس(17) بصحيح، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان قد(18) أعلمه الله ╡ أنَّه سيفتح عليه تلك البلاد وغيرها، وبشَّر أمَّته بذلك ثمَّ قطعها، فدلَّ ذلك على إباحة الوجهين، وفي قطعها خزيٌّ للمشركين ومضرَّةٌ لهم، وأمَّا حديث رافعٍ فلا أعلم وجهه في هذا الباب، ولعلَّ النَّاسخ غلط فكتبه(19) في غير موضعه.
          وفي رواية النَّسَفِيِّ قبله بابٌ فصل بينه وبين حديث ابنِ عُمَرَ، وسيأتي الكلام فيه في موضعه بعد هذا إن شاء الله [خ¦2328]، وسألت المُهَلَّبَ عنه فقلت له: حديث رافعٍ لا أعلم له وجهًا في هذا الباب، فقال لي: قد يمكن أن يكون له فيه وجهٌ وهو أنَّ مَنِ اكترى أرضًا لسنين فله أن يزرع فيها ما شاء ويغرس فيها الشَّجر(20) وغيرها ممَّا لا يضرُّ بها، فإذا(21) تمَّت الوجيبة قال صاحب الأرض: احصد زرعك واقلع شجرك عن أرضي، فذلك لازمٌ لمكتريها حتَّى يخلِّي له أرضه ممَّا شغلها به، لقوله ◙: ((لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)) فهو مِنْ باب إباحة قطع الشَّجر(22).


[1] في (ز): ((والنَّخل)).
[2] في (ص): ((قطع)).
[3] في (ز): ((أهان)).
[4] في (ز): ((وفيه)).
[5] قوله: ((كنَّا أكثر أهل المدينة مزدرعًا)) ليس في (ز).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((ممَّا)).
[8] قوله: ((وممَّا تصاب الأرض)) ليس في (ز).
[9] في (ز): ((أو ليخلَّى)).
[10] في (ز): ((الشَّجر ألا ترى أن)).
[11] في (ز): ((النَّبيِّ صلعم)).
[12] في (ز): ((العلماء)).
[13] في (ز): ((إلى المسلمين)).
[14] في (ز): ((بأس بترك)).
[15] زاد في (ز): ((إنَّه)).
[16] في (ز): ((للمسلمين)).
[17] في (ز): ((ليس)).
[18] في (ز): ((وسلَّم قد كان)).
[19] في (ز): ((فكتب)).
[20] في (ز): ((فيها شجر التِّين والموز)).
[21] في (ز): ((وإذا)).
[22] زاد في (ز): ((الله الموفِّق)).