شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا لم يشترط السنين في المزارعة

          ░9▒ بَابٌ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ في المُزَارَعَةِ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (عَامَلَ النَّبيُّ صلعم أَهْلَ(1) خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) [خ¦2329]
          وقَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لو تركت المخابرة، فإنَّهم يزعمون أنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عنه قالَ ابنُ(2) عُمَرَ: وإنِّي أعطيهم وأعينهم، فإن(3) أعلمهم أخبرني _يعني ابنَ عَبَّاسٍ_ أنَّ النَّبيَّ صلعم لم ينه عنه، ولكن قال: إن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له مِنْ أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا.
          وترجم لحديث ابنِ عُمَرَ باب مزارعة اليهود وقال فيه: ((إِنَّ النَّبيَّ صلعم أَعْطَى خَيْبَرَ اليَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوْهَا وَيَزْرَعُوْهَا وَلَهُمْ شَطْرَ مَا خَرَجَ مِنْهَا)).
          اختلف العلماء في المزارعة مِنْ غير(4) أجلٍ، فكرهها مالكٌ والثَّوْرِيُّ والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ حتَّى يُسمِّي أجلًا معلومًا. قالَ ابنُ المُنْذِرِ: وقالَ أبو ثَوْرٍ: إذا لم يُسمِّ سنين معلومةً فهو(5) على سنةٍ واحدةٍ، وحُكي عن بعض النَّاس أنَّه قال: أُجيز ذلك استحسانًا، وأدع القياس.
          وقالَ ابنُ المُنْذِرِ: قال(6) / بعض أصحابنا: ذلك جائزٌ واحتجَّ بقوله ◙: ((نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا))، وفي ذلك دليلٌ على إجازة دفع النَّخل مساقاةً والأرض مزارعةً مِنْ غير ذكر سنين معلومةٍ، فيكون لصاحب الأرض والنَّخل(7) أن يخرج المساقي والزَّارع مِنَ الأرض والنَّخل متى شاء، وفي ذلك دلالةٌ أنَّ المزارعة بخلاف الكراء، ولا يجوز في الكراء أن يقول: أخرجك عن أرضي متى شئت.
          ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ الكراء في الدُّور والأرضين لا يجوز إلَّا وقتًا معلومًا، وقول أبي ثَوْرٍ حَسَنٌ لأنَّ معاملته ◙ اليهود بشطر(8) ما يخرج منها يقتضي سنةً واحدةً حتَّى يبين أكثر منها، فلم تقع المدَّة إلَّا معلومةً، وسأزيد في الكلام في هذه المسألة في باب إذا قال ربُّ الأرض: أُقرُّك، ما أقرَّك الله، بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦2338].


[1] قوله: ((أهل)) ليس في (ز).
[2] صورتها في (ز): ((أبي)).
[3] في (ز): ((أعينهم وأعطيهم وإن)).
[4] في (ز): ((بغير)).
[5] في (ز): ((فهذا)).
[6] في (ز): ((قال ابن المنذر وقال)).
[7] في (ز): ((النَّخل والأرض)).
[8] في (ص): ((بشرط)).