شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع

          ░2▒ بَابُ مَا يُحَذَّرُ مِنْ عَاقِبَةِ(1) الاشْتِغَالِ بِآلَةِ الزَّرْعِ، وَتَجَاوِزِ الحَدِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ
          فيهِ أَبُو أُمَامَةَ: (أنَّهُ رَأَى سِكَّةً أَوْ شَيْئًا مِنْ آلَةِ الحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ الذُّلَّ). [خ¦2321]
          قالَ المُهَلَّبُ: معنى هذا الحديث، والله أعلم، الحضُّ على معالي الأحوال، وطلب الرِّزق مِنْ أشرف الصِّناعات لمَّا خشي النَّبيُّ صلعم على أمَّته مِنَ الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله، لأنَّهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمَّم الرَّاكبة للخيل المتعيِّشة مِنْ مكاسبها، فحضَّهم إلى(2) التَّعيُّش مِنَ الجهاد لا مِنَ الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السَّلاطين وركاب الخيل.
          ألا ترى أنَّ عُمَرَ ☺ قالَ: تمعددوا واخشوشنوا، واقطعوا الرَّكب، وثبوا على الخيل وَثبًا لا يغلبكم عليها رعاة(3) الإبل، أي دعوا التَّملُّك والتَّدلُّك بالنِّعمة، وخذوا أخشن(4) العيش لتتعلَّموا الصَّبر فيه، فأمرهم(5) بملازمة الخيل والتَّدرُّب عليها والفروسيَّة، لئلَّا تملكهم الرُّعاة(6) الَّذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، وقد رأينا عاقبة وصيَّته ☺ في عصرنا هذا بميلنا إلى الرَّاحة والنِّعمة.
          قالَ المؤلِّفُ: فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه، لزمه(7) الذُّلُّ كما قال ◙ ويلزمه الجفاء في خُلُقِه لمخالطة(8) مَنْ هو كذلك، وقد جاء في الحديث ((مَنْ لَزِمَ البَادِيَةَ جَفَا(9))) وقد أخبرنا ◙ بما يقوُّي هذا المعنى فقال: ((السَّكَيْنَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، وَالخَيْلَاءُ فِي أَصْحَابِ الخَيْلِ، وَالقَسْوَةُ فِي الفَدَادِيْنَ أَهْلُ الوَبَرِ))، فكأنَّه قال ◙: والذُّلُّ في أهل الحرث، أي مِنْ شأن ملازمة(10) هذه المهن توليد(11) ما ذكر مِنْ هذه الصِّفات مِنَ(12) الذُّلِّ الَّذي يلزم مَنِ اشتغل بالحرث ما ينوبه مِنَ المؤنة بخراج(13) الأرضين.
          وفيه: علامة النُّبوَّة،وذلك أنَّه ◙ علم أن مَنْ يأتي في آخر الزمان مِنَ الولاة يجورون في أخذ الصَّدقات والعشور، ويأخذون في(14) ذلك أكثر ممَّا يجب لهم، لأنَّه(15) ذلٌّ لِمَنْ أخذ منه الحقَّ الَّذي عليه، وإنَّما يصحُّ الذُّلُّ بالتَّعدِّي وترك الحقِّ في الأخذ.


[1] في (ز): ((عواقب)).
[2] في (ز): ((على)).
[3] في المطبوع: ((دعاة)).
[4] في (ز): ((خشن)).
[5] في (ز): ((فأمر)).
[6] في (ز): ((للرُّعاة)).
[7] في (ز): ((يلزمه)).
[8] في (ز): ((لمخالطته)).
[9] قوله: ((جفا)) ليس في (ز).
[10] قوله: ((ملازمة)) ليس في (ص).
[11] في (ز): ((تولية)).
[12] في (ز): ((ومن)).
[13] في (ز): ((في خراج)).
[14] في (ز): ((من)).
[15] زاد في (ز): ((لا)).