شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استعمال البقر للحراثة

          ░4▒ بَابُ اسْتِعْمَالِ البَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ(1): (بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ على بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ، قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً، فَتَبِعَهَا الرَّاعِي، فَقَالَ(2) الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي، قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ في القَوْمِ) [خ¦2324]
          قالَ المُهَلَّبُ: فيه أنَّ(3) كلام البهائم مِنَ الآيات الَّتي خُصَّت بها بنو إسرائيلَ، لجواز أن تكون(4) النُّبوَّة فيهم غير محظورةٍ، وهذا الحديث حجَّةٌ على مَنْ جعل علَّة المنع مِنْ أكل الخيل والبغال والحمير أنَّها خُلقت للرُّكوب والزِّينة، لقوله ╡: {وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}[النَّحل:8]وقد خُلقت البقر للحراثة، وأنطقها الله تعالى بذلك زيادةً في الآية المعجزة، ولم يمنع ذلك مِنْ أكل لحومها لا في بني إسرائيلَ ولا في الإسلام.
          وفيه الثِّقة بما(5) يعلم مِنْ صحة إيمان المرء وثاقب علمه، والقضاء / عليه بالعادة المعلومة منه، كما قضى النَّبيُّ صلعم على أبي بَكْرٍ وعُمَرَ بتصديق كلام البقرة والذِّئب، الَّذي توقَّف النَّاس عن الإقرار به، حتَّى احتاج رسول الله صلعم أن يقول أنَّ هذا يقرُّ به معه أبو بَكْرٍ وعُمَرَ، وناهيك بذلك فضيلةٌ لهما ورفعةٌ لشهادة النَّبيِّ صلعم لهما الَّذي لا ينطق عن الهوى.
          وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ القاضي: قال لي عليُّ بنُ المَدِيْنِيُّ: سمعت أبا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بنَ المُثَنَّى يقول في حديث النَّبيِّ صلعم حين أخذ الذِّئب الشَّاة وأُخِذَتْ منه فقَالَ: (مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي) قال(6): ليس هو السَّبُع الَّذي يسبع النَّاس، إنَّما هو عيدٌ كان لهم في الجاهليَّة يشتغلون بأكلهم ولعبهم، فيجيء الذِّئب فيأخذها.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] زاد في المطبوع: ((له)).
[3] في المطبوع: ((المهلَّب فبيان))، وتحتمل في (ص).
[4] في (ز): ((لجواز كون)).
[5] في (ز): ((لما)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (ز).