شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل أو غيره وتشركني في الثمر

          ░5▒ بَابٌ إِذَا قَالَ اكْفِنِي مَؤونَةَ النَّخْلِ أو غَيْرهِ، وَتُشْرِكُنِي في الثَّمَرِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَتَكْفُونَنَا المَؤُنَةَ، وَنَشْرَكُكُمْ في الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [خ¦2325]
          قالَ المُهَلَّبُ: إنَّما أراد الأنصار مشاركة المهاجرين بأن يقاسموهم أموالهم، فكره رَسُولُ اللهِ صلعم أن يخرج عنهم شيئًا(1) مِنْ عقارهم، وعلم(2) أنَّ الله ╡ سيفتح عليهم البلاد فيغني(3) جميعهم، فأشركهم في الثَّمرة على أن يكفوهم(4) المؤنة والعمل في النَّخيل، وتبقى رقاب النَّخل(5) للأنصار، وهذه هي المساقاة بعينها.
          قال غيره: فإن وجد في بعض طُرق(6) الحديث مقدار الشَّركة بين المهاجرين والأنصار في الثَّمرة صير إليه، وإلَّا فظاهر اللَّفظ يقتضي عملهم على نصف ما تخرج الثَّمرة، لأنَّ الشَّركة إذا أُبهمت ولم يذكر فيها حدٌّ معلومٌ حُملت على المساقاة.
          ورُوِيَ(7) عن مالكٍ في رجلين اشتريا سلعةً فأشركا فيها ثالثًا ولم يُسمِّيا له جزءًا، أنَّ السِّلعة بينهم أثلاثًا، فهذا يدلُّ مِنْ قوله أنَّه لو كان المشرك واحدًا كانت بينهما(8) نصفين.
          واختلف أهل العلم في الرَّجل يدفع المال قراضًا على أنَّ للعامل شركًا(9) في الرِّبح، فقال الكوفيُّون: له في ذلك أجرٌ مثله والرِّبح والوضيعة على ربِّ المال، وهو قول أحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي(10) ثَوْرٍ، وقال ابنُ القَاسِمِ: يردُّ في ذلك إلى قراض مثله، وقال الحَسَنُ البَصْرِيُّ وابنُ سِيرِينَ: له نصف الرِّبح، وهو قول الأوزاعيِّ وبعض أصحاب مالكٍ.
          وحديث أبي هريرةَ في هذا الباب يدلُّ على صحَّة قول الحَسَنِ ومَنْ وافقه، لأنَّ مَنْ ردَّ القراض في ذلك إلى أجرٍ مثله أو إلى قراضٍ مثله فعِلَّته أنَّه فاسدٌ إذ لم يعلم مقدار الشَّركة في الرِّبح، ولو كان كما قالوا لكانت مساقاة المهاجرين للأنصار فاسدةٌ، حين لم يُسمُّوا لهم مقدار ما يعملون عليه، والقراض عند أهل العلم أشبه شيءٍ بالمساقاة(11) ومحالٌ أن تكون مساقاة المهاجرين للأنصار عن أمر النَّبيِّ صلعم ورأيه الموفَّق فاسدةٌ.


[1] في (ز): ((شيء)).
[2] في (ص): ((وعلى)).
[3] في (ز): ((البلاد حتَّى يستغني)).
[4] في (ص): ((يكفوا)).
[5] في (ز): ((النَّخيل)).
[6] زاد في (ز): ((هذا)).
[7] في (ز): ((روي)).
[8] في (ص): ((بينهم)).
[9] في (ز): ((شرك)).
[10] في (ص): ((وأبو)).
[11] قوله: ((عليه، والقراض عند أهل العلم أشبه شيء بالمساقاة)) ليس في (ز).