شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل

          ░10▒ بَابُ إِذَا وَكَّلَ رجلٌ رَجُلًا فَتَرَكَ الوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ المُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ:(1) (وَكَّلَنِي النَّبيُّ صلعم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فقُلْتُ:(2) لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ(3) صلعم، فَقَالَ(4): إِنِّي مُحْتَاجٌ وَلِيَّ(5) عِيَالٌ، وَبِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ:(6) فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحَ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ(7): يَا أبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قَالَ:(8) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيْدَةً(9)، وَعِيَالًا فَخَلَّيْتُ عَنْهُ(10)، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلعم إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ(11) صلعم، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي(12) مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ(13) لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيْلَهُ(14)، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِيَ(15) النَّبيُّ صلعم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ(16)، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا(17)، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ(18) كَذَبَكَ(19)، وَسَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ(20) صلعم، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ تَزْعُمُ(21) أَنَّكَ(22) لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هِيَ؟(23) قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، فَإِنَّه لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبكَ(24) شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ(25)، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا _وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ_ وَحَكَيْتُ لَهُ قَوْلَهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ(26) ذَلكَ شَيْطَانٌ). [خ¦2311]
          قال المُهَلَّبُ: قوله: (فَتَرَكَ الوَكِيْلُ شَيْئًا)، يُريد أنَّ أبا هريرةَ ترك الَّذي حثا الطَّعام حين شكا إليه الحاجة، فأخبر النبَّيَّ [صلعم بذلك، وأجاز(27) فعله ولم يردَّه.
          قال غيره: ففُهِمَ مِنْ هذا(28) أنَّ مَنْ وكِّل على حفظ شيءٍ أو أؤتمن على مالٍ فأعطى منه شيئًا لأحدٍ أنَّه لا يجوز وإن كان بالمعروف، لأنَّه إنَّما جاز فعل أبي هريرةَ بإجازة(29) النَّبيِّ صلعم(30)، لأنَّه ◙ لم يوكِّل أبا هريرةَ على عطاءٍ، ولا أباح له إمضاء ما انتُهِبَ منه، وإنَّما وكَّله بحفظه خاصَّةً.
          والدَّليل على صحَّة هذا التَّأويل أنَّه ليس لمَنِ اؤتمن على شيءٍ أن يتلف منه شيئًا، وأنَّه إذا أتلفه ضمنه إلَّا أن يُجيز(31) ربُّ المال، وفي تعلُّق جواز ذلك بإجازة ربِّ المال دليلٌ على صحَّة الضَّمان لو لم يجزه وهذا لا أعلم فيه خلافًا بين الفقهاء.
          وأمَّا قوله: وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسَمًّى جاز، فلا أعلم خلافًا بين الفقهاء أنَّ أحدًا لا يجوز له أن يُقرض مِنْ وديعةٍ عنده أو مالٍ استحفظه لأحدٍ شيئًا لا حالًّا ولا إلى أجلٍ، ولكنَّه إن فعل كان ربُّ المال مُخَيَّرًا بين إجازة فعله أو تضمينه، أو طلب الَّذي قبض المال.
          وقال المُهَلَّبُ: ويُخَرَّجُ قوله في التَّرجمة: وإن أقرضه إلى أجلٍ مسمًّى جاز، لأنَّ(32) الطَّعام كان مجموعًا للصَّدقة، فلمَّا أخذ السَّارق وقد حثا مِنَ الطَّعام، وقال له: دعني فإنِّي محتاجٌ، فتركه(33)، فكان سلفه ذلك الطَّعام إلى أجلٍ، وهو وقت قسمته وتفرقته على المساكين، لأنهَّم كانوا يجمعونه قبل الفطر بثلاثة أيَّامٍ(34) للتَّفرقة، فكأنَّه سلفه إلى ذلك الأجل]
(35). /
          وفيه مِنَ الفقه أنَّ السَّارق لا يُقطع في مجاعةٍ، وفيه أنَّه يجوز أن يُعفى عنه قبل أن يبلغ الإمام، وفيه أنَّه قد يعلم السَّارق(36) علمًا يُنتفع به إذا صدَّقه(37).
          وفيه أنَّ الكاذب(38) قد يصدق في النُّدرة، وفيه علامات النُّبوَّة، وفيه تفسيرٌ لقوله ╡: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27]يعني الشَّياطين، أنَّ المراد بذلك ما هم عليه مِنْ خلقتهم الرُّوحانيَّة(39) فإذا تشخَّصوا في صور الأجسام المدركة بالعين جازت رؤيتهم، كما تشخَّص الشَّيطان في هذا الحديث لأبي هريرةَ في صورة سارقٍ.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] في المطبوع: ((وقلت: والله)).
[3] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[4] في (ز): ((قال)).
[5] في (ز): ((وعليَّ)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((فخلَّيت عنه، فأصبحت، فقال النَّبيُّ صلعم فقال:)).
[8] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[9] في (ز): ((قلت: شكا لي حاجةً)).
[10] في المطبوع: ((فرحمته، فخلَّيت سبيله))، وفي (ز): ((شديدةً فرحمته وخلَّيت عنه)).
[11] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[12] في (ز): ((فأنا)).
[13] قوله: ((وعليَّ عيالٌ)) ليس في (ز).
[14] في (ز): ((فخلَّيته)).
[15] قوله: ((لي)) ليس في (ز).
[16] قوله: ((يا أبا هريرة)) ليس في (ص).
[17] قوله: ((وعيالًا)) ليس في (ص).
[18] قوله: ((قد)) ليس في (ص).
[19] قوله: ((يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ)) ليس في (ز)، وبدله قوله: ((مثله)).
[20] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[21] قوله: ((وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ تزعم)) ليس في (ز).
[22] زاد في (ز): ((تزعم)).
[23] قوله: ((قلت: ما هي)) ليس في (ز).
[24] في المطبوع: ((ولن يقربك))، وغير واضحة في (ص).
[25] قوله: ((حتَّى تصبح)) ليس في (ص).
[26] في (ز): ((كاذب)).
[27] في المطبوع: ((فأجاز)).
[28] في المطبوع: ((من ذلك الحديث)).
[29] في المطبوع: ((لإجازة)).
[30] زاد في المطبوع: ((له)).
[31] في المطبوع: ((يجيزه)).
[32] في (ز): ((جاز من أن)).
[33] في المطبوع: ((وتركه)).
[34] في (ز): ((بثلاث)).
[35] ما بين معقوفتين مطموس في (ز).
[36] في (ز): ((الشَّيطان)).
[37] في (ز): ((صدقته السَّنة)).
[38] في (ز): ((الكذَّاب)).
[39] زاد في (ز): ((الَّتي جُبلوا عليها)).