شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة

          ░5▒ بَابٌ وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالغَائِبِ جَائِزَةٌ
          وَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْر(1) إلى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (كَانَ(2) لِرَجُلٍ عَلَى النَّبيِّ صلعم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ(3) يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا له(4) إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللهُ بِكَ، قَالَ(5) صلعم: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً). [خ¦2305]
          هذا الحديث حُجَّةٌ على أبي حنيفةَ في قوله:(6) لا يجوز توكيل الحاضر بالبلد الصَّحيح(7) البدن إلَّا برضًى مِنْ خصمه أو عذر مرضٍ أو سفرٍ ثلاثة أيَّامٍ، وهذا الحديث خلاف قوله لأنَّ النَّبيَّ صلعم أمر أصحابه أن يقضوا عنه السِّنَّ الَّتي كانت عليه، وذلك توكيلٌ منه لهم على ذلك.
          ولم يكن ◙ غائبًا ولا مريضًا ولا مسافرًا، وعامَّة الفقهاء يجيزون توكيل الحاضر الصَّحيح البدن وإن لم يرضَ خصمه بذلك على ما دلَّ عليه هذا الحديث، وهذا قول ابنِ أبي ليلى ومالكٍ وأبي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ والشَّافعيِّ إلَّا أنَّ مالكًا قال: يجوز ذلك وإن لم يرضَ خصمه إذا لم يكن الوكيل عدوًّا للخصم، وقال سائرهم: يجوز ذلك وإن كان الوكيل عدوًّا للخصم.
          وقال الطَّحَاوِيُّ: اتَّفق الصَّحابة على جواز ذلك، فرُوِيَ أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ وكَّل عَقِيلًا عند أبي بَكْرٍ، فلمَّا أُسِرَ عَقِيْلُ وكَّل عبدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فخاصم عبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ طَلْحَةَ في صغيرةٍ أحدثها عليٌّ عند عُثْمَانَ، وأقرَّ عُثْمَانُ بذلك(8)، فصار ذلك(9) إجماعًا، وقال النَّبيُّ صلعم لعبدِ الرَّحمن بنِ سَهْلٍ الأنصاريِّ لمَّا خاصم إليه في دم أخيه عبدِ اللهِ بنِ سَهْلٍ، الَّذي وُجِدَ مقتولًا(10) بخيبر بمحضرٍ مِنْ عمَّيه حُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ: ((كَبِّرْ كَبِّرْ)) يُريد وليُّ الكلام في ذلك الكبير منهما فتكلَّم حُوَيِّصَةُ ثمَّ مُحَيِّصَةُ، وكان الوارث عبدُ اللهِ بنُ سَهْلٍ دونهما، فكانا وكيلين، وأمَّا إذا وكَّل وكيلًا غائبًا على طلب حقَّه، فإن ذلك يفتقر إلى قبول الوكيل للوكالة عند الفقهاء، وإذا كانت الوكالة مفتقرةً إلى قبول الوكيل فحكم الغائب والحاضر فيها سواءٌ، فإن قيل: فأين القبول في حديث أبي هريرةَ؟ قيل: عملهم بأمر النَّبيِّ صلعم مِنْ توفية صاحب الحقِّ(11) حقَّه، قبول منهم لأمره ◙.


[1] في المطبوع: ((عمرو)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] في (ز): ((فجاء)).
[4] قوله: ((له)) ليس في (ز).
[5] زاد في (ز): ((النَّبيُّ)).
[6] زاد في (ز): ((إنه)).
[7] في (ص): ((بالبلد أو صحيح)).
[8] في (ز): ((وأقرَّ ذلك عثمان)).
[9] قوله: ((ذلك)) ليس في (ز).
[10] في (ز): ((قتيلًا)).
[11] في (ز): ((الدَّين)).