شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وكل رجل أن يعطي شيئًا ولم يبين كم يعطي

          ░8▒ بَابُ إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي فَأَعْطَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ.
          فيهِ جَابِرٌ: (كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ، إِنَّمَا هُوَ في آخِرِ القَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبيُّ صلعم، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ(1)، قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ، قَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَعْطِنِيهِ، فَأَعْطَيْتُهُ، فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ من أَوَّل(2) القَوْمِ، قَالَ: بِعْنِيهِ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: بَلْ بِعْنِيْهِ(3) قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ(4)، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً...) الحديثَ.(5) (فَلَمَّا قَدِمْتُ(6) المَدِينَةَ قَالَ: يَا بِلاَلُ اقْضِهِ وَزِدْهُ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ(7)، وَزَادَهُ قِيرَاطًا، قَالَ جَابِرٌ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ النَّبيِّ صلعم، فَلَمْ يُفَارِقُ القِيرَاطُ قِرَابَ جَابِرٍ). [خ¦2309]
          المأمور بالصَّدقة إذا أعطى ما يتعارف(8) النَّاس ويصلح للمعطي، ولا يخرج عن حال المعطي جاز ونفذ، فإن أعطى أكثر ممَّا يتعارف النَّاس، تعلَّق ذلك برضا صاحب المال، فإن أجاز ذلك جاز(9)، وإلَّا رجع عليه بمقدار ذلك، والدَّليل على ذلك أنَّه لو أمره أن يعطيه قفيزًا فأعطاه قفيزين ضمن الزِّيادة بإجماعٍ، فدلَّ أنَّ المتعارف يقوم مقام الشَّيء المعيَّن.
          قال المُهَلَّبُ: وهذا الحديث يُبَيِّنُ أنَّ مَنْ روى الاشتراط في حديث جَابِرٍ أنَّ معناه أنَّ النَّبيَّ صلعم [شرط له ذلك شرط تَفَضُّلٍ، لأنَّ القصَّة كلَّها جرت مِنَ النَّبيِّ صلعم على جهة التَّفَضُّل والرِّفق لجَابِرٍ(10)، لأنَّه وهبه الجمل بعد أن أعطاه ثمنه وزاده، وجَابِرٌ أيضًا قال للنَّبيِّ صلعم حين سأله بيعه قال(11): (هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللِه) يعني بلا ثمنٍ، وسيأتي إيضاح هذا المعنى ومذاهب العلماء في ذلك في كتاب الشُّروط بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦2718]، وفيه بركة النَّبيِّ صلعم.
          ثعلب(12): يُقال بعيرٌ ثقالٌ، أي بطيءٌ بفتح الثَّاء(13)، والثِّقال بكسر الثَّاء: جلدٌ أو كساءٌ يوضع تحت الرَّحى يقع عليه الدَّقيق]
.


[1] قوله: ((فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((فكان من ذلك في أوَّل)).
[3] قوله: ((بل بعنيه)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((الدَّنانير)).
[5] قوله: ((فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً... الحديث.)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((قدمنا)).
[7] في (ز): ((دنانير)).
[8] في (ز): ((يتعارف)).
[9] قوله: ((جاز)) ليس في (ز).
[10] في المطبوع: ((بجابر)).
[11] قوله: ((قال)) ليس في المطبوع.
[12] في المطبوع: ((قال ثعلب)).
[13] في المطبوع: ((ثقال بفتح الثَّاء أي بطيء)).