شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وهب شيئًا لوكيل أو شفيع قوم جاز

          ░7▒ بَابُ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ جَازَ لِقَوْلِ(1) الرَّسُولِ(2) صلعم لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ المَغَانِمَ: ((نَصِيبِي لَكُمْ)).
          فيهِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ(3) وَالمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ أخبراه(4): (أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِيْنَ(5)، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ(6) صلعم: أَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا المَالَ، فَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ، وَقد كَانَ رَسُوْلُ اللهِ(7) صلعم انْتَظَرَ بِهِمْ(8) بِضْعَ عَشْرَةَ(9) لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم غَيْرُ رَادٍّ لَهُمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ(10)، قَالُوا: إِنَّا(11) نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ(12) صلعم فِي المُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ ╡ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ(13) جَاؤُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ(14) أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ(15) أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يا رَسُولِ اللهِ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ(16) صلعم: فإفِنَّا(17) لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ(18) صلعم، فَأَخْبَرُوه(19) أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا). [خ¦2307] [خ¦2308]
          قال: إذا كان الوكيل أو الشَّفيع قد(20) [طلب لنفسه ولغيره فشفع فيما طلب كان حكمهم كحكمه في الشَّيء الَّذي سأل لنفسه ولهم، وأمَّا إن وهب لقومٍ وقبض لهم وكيلهم تلك الهبة جازت، ولم يدخل الوكيل في الهبة.
          والوفد رسل هوازن هم الوكلاء والشُّفعاء في ردِّ أموالهم إلى جماعتهم، فشفَّعهم النَّبي صلعم وقال لهم: ((نَصِيْبِي(21) لَكُمْ)) يعني مِنَ المال ومِنَ العيال، ثمَّ أخذ مِنْ(22) أنصباء النَّاس(23) العيال خاصَّةً، وأبقى لهم المال لحاجتهم إليه.
          وقال(24) أبو عبدِ اللهِ: فيه مِنَ الفقه أنَّ بيع المكره في الحقِّ جائزٌ، لأنَّ النَّبيَّ صلعم حكم بردِّ السَّبي، ثمَّ قال: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُوْنَ عَلَى حَظِّهِ(25) مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا)، ولم يجعل لهم الخيار في إمساك السَّبي أصلًا، وإنَّما خيَّرهم في أن يُعَوِّضَهم مِنْ مغنمٍ آخر(26)، ولم يُخَيِّرْهم في أعيان السَّبي، لأنَّه قال لهم هذا بعد أن ردَّ إليهم أهليهم، وإنَّما خيَّرهم في إحدى الطَّائفتين لئلَّا يحيف(27) بالمسلمين في مغنمهم(28) فيُخليهم منه كلِّه، ويُخَيِّبَهم ممَّا غنموه وأتعبوا(29) فيه.
          قال المُهَلَّبُ: وفي رَفْعِ النَّبيِّ صلعم إملاك النَّاس عن الرَّقيق، ولم يجعل إلى تملُّك أعيانهم سبيلًا دليلٌ على أنَّ للإمام أن يستعين على مصالح المسلمين بأخذ بعض ما بأيدي(30) النَّاس ما لم يجحف بهم، ويَعِد مَنْ لم تَطُب نفسه بالعِوَض ممَّا يأخذ منه(31)، ألا ترى قوله ◙: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطِيِّبَ بِذَلِكَ)، فأراد ◙ أن يُطِيِّبَ نفوس المسلمين لأهل هوازن ممَّا(32) أخذ منهم مِنَ العيال، ليرفع الشَّحناء والعداوة، ولا تبقى إحنة الغلبة لهم في انتزاع السَّبي منهم في قلوبهم، فيولِّد ذلك اختلاف الكلمة، وفيه أنَّه يجوز للإمام إذا جاءه أهل الحرب مسلمين بعد أن غُنِمَ أهلهم(33) وأموالهم أن يردَّ إليهم عيالهم إذا رأى ذلك صوابًا كما فعل النَّبيُّ صلعم لأنَّ العيال ألصق(34) بنفوس الرِّجال مِنَ المال، والعار عليهم فيهم أشدُّ.
          وقوله ◙: (إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ) إنَّما هذا تقصٍّ مِنَ النَّبيِّ صلعم في استطابة نفوس]
(35) / النَّاس رجلًا رجلًا، وليعرف الحاضر منهم الغائب.


[1] في (ز) صورتها: ((بقول)).
[2] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[3] قوله: ((بن الحكم)) ليس في (ز).
[4] قوله: ((بن مخرمة أخبراه)) ليس في (ز).
[5] قوله: ((مسلمين)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[7] في (ز): ((وكان النَّبيُّ)).
[8] في المطبوع: ((انتظرهم)).
[9] في (ز): ((عشر)).
[10] قوله: ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم غَيْرُ رَادٍّ لَهُمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ)) ليس في (ز).
[11] في (ز): ((فقالوا: إنَّا)).
[12] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[13] قوله: ((هؤلاء قد)) ليس في (ز).
[14] زاد في (ز): ((منكم)).
[15] قوله: ((من)) ليس في (ز).
[16] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[17] في (ز): ((إنَّا)).
[18] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[19] في (ز): ((فأخبروا)).
[20] قوله: ((قد)) ليس في المطبوع، وغير واضحة في (ص).
[21] في المطبوع: ((ونصيبي)).
[22] قوله: ((من)) ليس في المطبوع.
[23] زاد في المطبوع: ((من)).
[24] في المطبوع: ((قال)).
[25] زاد في المطبوع: ((حتَّى نعطيه إيَّاه)).
[26] في المطبوع: ((مغانم أخر)).
[27] في المطبوع: ((يجحف)).
[28] في المطبوع: ((مغانمهم)).
[29] في المطبوع: ((وتعبوا)).
[30] في المطبوع: ((في أيدي)).
[31] في المطبوع: ((نفسه ممَّا يأخذ منه بالعوض)).
[32] في المطبوع: ((بما)).
[33] في المطبوع: ((أهليهم)).
[34] في المطبوع: ((ألزق)).
[35] ما بين معقوفتين مطموس في (ز).