عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي كانت ظاهرة
  
              

          ░22▒ (ص) بَابُ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صلعم كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صلعم وَأُمُورِ الإِسْلَامِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان الحُجَّة... إلى آخره، عقَدَ هذا الباب لبيان أنَّ كثيرًا مِن أكابر الصحابة كان يغيب عن مشاهدة النَّبِيِّ صلعم ، ويفوت عنهم ما يقوله عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أو يفعله مِنَ الأفعال التكليفيَّة، فيستمرُّون على ما كانوا اطَّلعوا عليه، إمَّا على المنسوخ؛ لعدم اطِّلاعهم / على الناسخ، وإمَّا على البراءة الأصليَّة، ثُمَّ أخذ بعضهم مِن بعضٍ مِمَّا رواه عن رسول الله صلعم ، فهذا الصِّدِّيق ☺ مع جلالة قدره لم يعلم النصَّ في الجدَّة حَتَّى أخبره مُحَمَّد بن مَسْلَمَة والمغيرة بالنصِّ فيها، وهذا عُمَر بن الخَطَّاب ☺ رجع إلى أبي موسى الأشعريِّ ☺ في الاستئذان، وهو حديث الباب، وأمثال هذا كثيرةٌ، ويُرَدُّ بهذا الباب أيضًا على الرافضة وقومٍ مِنَ الخوارج زعموا أنَّ أحكامه صلعم وسنَّته منقولةٌ عنه نقل تواترٍ، وأنَّه لا يجوز العمل بما لم يُنقَل متواترًا، وهو مردودٌ بما صحَّ أنَّ الصحابة كان يأخذ بعضهم مِن بعضٍ، ويرجع بعضهم إلى رواية غيره عن رسول الله صلعم ، وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد.
          قوله: (كَانَتْ ظَاهِرَةً) أي: للناس لا تخفى إلَّا على النادر.
          قوله: (وَمَا كَانَ يَغِيبُ) عطفٌ على مقول القول، وكلمة (ما) نافيةٌ، أو عطفٌ على (الحجَّة) فـ(ما) موصولةٌ.
          قوله: (مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صلعم ) ووقع في [رواية النَّسَفيِّ: <مشاهدة> ويُروى: <من مشهد النَّبِيِّ صلعم > بالإفراد، ووقع في] «مستخرج أَبيْ نُعَيْمٍ»: وما كان يفيد بعضهم بعضًا؛ بالفاء والدال، مِنَ الإفادة.