عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ
  
              

          ░20▒ (ص) بَابٌ إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلَافَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهْوَ رَدٌّ».
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه إذا اجتهد العامل، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <إذا اجتهد العالم>.
          قوله: (الْعَامِلُ) قال الكَرْمانيُّ: أي عامل الزكاة.
          قُلْت: لفظ (العامل) أعمُّ مِن آخذ الزكاة، وقال الحاكم: أي: القاضي، وهذا أيضًا أعمُّ مِنَ القاضي.
          قوله: / (أَوِ الْحَاكِمُ) كلمة (أو) فيه للتنويع.
          فَإِنْ قُلْتَ: قد مضى في (كتاب الأحكام) (باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردودٌ) فما فائدة ذكر هذه الترجمة هنا؟
          قُلْت: تلك الترجمة معقودةٌ لمخالفة الإجماع، وهذه الترجمة معقودةٌ لمخالفة الرسول صلعم .
          قوله: (فَأَخْطَأَ) أي: في أخذ واجب الزكاة، أو في قضائه، قاله الكَرْمانيُّ.
          قُلْت: هو أعمُّ مِن ذلك.
          قوله: (خِلَافَ الرَّسُولِ) أي: مخالفًا للسُّنَّة.
          قوله: (مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ) أي: جاهلًا، قال الكَرْمانيُّ: وحاصله: أنَّ مَن حكم بغير السُّنَّة ثُمَّ تبيَّن له أنَّ السُّنَّة خلاف حكمه؛ وجب عليه الرجوع منه إليها، وهو الاعتصام بالسُّنَّة، ثُمَّ قال: وفي الترجمة نوع تعجرفٍ.
          قُلْت: كأنَّه أشار بذلك إلى قوله: (فأخطأ) لأنَّ ظاهره ينافي المقصود؛ لأنَّ مَن أخطأ خلاف الرسول، لا يُذَمُّ بخلاف مَن أخطأ وفاقه، وقال بعضهم ردًّا عليه: تمام الكلام عند قوله: «فأخطأ» وهو يتعلَّق بقوله: «اجتهد» وقوله: «خلاف الرسول» أي: فقال خلاف الرسول، فأيُّ عجرفة في هذا؟! انتهى.
          قُلْت: فيما قاله عجرفةٌ أكثر مِمَّا قاله الكَرْمانيُّ؛ لأنَّ تقديره بقوله: (فقال خلافَ الرسول) يكون عطفًا على (أخطأ) فيؤدِّي إلى نفي المقصود الذي ذكرناه الآن، ووُجِدَ بخطِّ الدِّمْيَاطِيِّ على حاشية نسخته: الصواب: «فأخطأ بخلاف الرسول».
          قوله: (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم ...) إلى آخره: قد تَقَدَّمَ هذا موصولًا في (كتاب الصلح) عن عائشة ♦ بلفظٍ آخرَ، ورواه مسلمٌ بهذا اللَّفظ، ومضى الكلام فيه هناك، وقال ابن بَطَّالٍ: مراده أنَّ مَن حكم بغير السُّنَّة جهلًا أو غلطًا يجب عليه الرجوع إلى حكم السُّنَّة وترك ما خالفها امتثالًا لأمر الله بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالسُّنَّة.