عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الاقتداء بسنن رسول الله
  
              

          ░2▒ (ص) بَابُ الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللهِ صلعم
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان وجوب الاقتداء بسُنَن رسول الله صلعم ، و(سُنَنه) أقواله وأفعاله، وأمرَ الله ╡ عبادَه باتِّباع نبيِّه والاقتداء بسُنَّته فقال: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ}[الأعراف:158] وقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} الآية[الأعراف:157] وتوعَّد مَن خالف سبيله ورغب عن سنَّته فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية[النور:63].
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74] قَالَ: أئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجرِّ عطفًا على (الاقْتِدَاء).
          قوله: (قَالَ: أئِمَّةً) لم يُعلَم القائل مَن هو؟ ولكن ذكر في التفسير: قال مجاهدٌ: أي: اجعلنا ممَّن نقتدي بمَن قبلَنا حَتَّى يقتديَ بنا مَن بَعدَنا.
          قوله: (أئِمَّةً) يعني: استُعمِلَ (الإمام) هنا بمعنى الجمع؛ بدليل: {اجعَلْنا} وقال الكَرْمانيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الإمام هو المُقتَدَى، فمِن أين استفاد المأموميَّة حَتَّى ذكر المقدِّمة الأولى أيضًا؟ قُلْت: هي لازمةٌ؛ إذ لا يكونُ متبوعًا إلَّا إذا كان تابعًا لهم؛ أي: ما لم يتبع الأنبياءَ لا تتبعه الأولياء؛ ولهذا لم يذكر الواو بينَ المقدَّمتين.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي: هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعلَّمُوهَا ويَسْألُوا عَنْها، والقُرْآنُ أنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْألُوا عَنْهُ، ويَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ.
          (ش) أي: قال عبد الله (ابْنُ عَوْنٍ) البَصْرِيُّ مِن صغار التَّابِعينَ، ووصل تعليقه هذا مُحَمَّد بن نصرٍ المَرْوَزِيُّ في «كتاب السُّنَة» والجوزقيُّ مِن طريقه، قال مُحَمَّد بن نصرٍ: حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى: حَدَّثَنَا سُلَيم بن أخضر: سمعت ابن عونٍ يقول غير مَرَّةٍ ولا مَرَّتينِ ولا ثلاثٍ: ثلاثٌ أُحِبُّهنَّ لنفسي... إلى آخره.
          قوله: (وَلِإِخْوَانِي) في رواية حمَّادٍ: (ولأصحابي).
          قوله: (هَذِهِ السُّنَّةُ) أشار إلى طريقة النَّبِيِّ صلعم إشارةً نوعيَّة لا شخصيَّةً، وقال في القرآن: (يَتَفَهَّمُوهُ)، وفي السُّنَّة: (يَتَعَلَّمُوهَا) لأنَّ الغالب على حال المسلم أن يتعلَّم القرآن في أَوَّل أمره فلا يحتاج إلى الوصيَّة بتعلُّمه، فلهذا أوصى بفهم معناه وإدراك منطوقه وفحواه.
          قوله: (أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ) في رواية يحيى: (فيتدبَّروه).
          قوله: (وَيَدَعُوا النَّاسَ) بفتح الدال؛ أي: يتركوا الناس، ووقع في رواية الكُشْميهَنيِّ بسكون الدال مِنَ الدعاء، / وفي روايته: <ويَدْعُو الناسَ إلى خيرٍ> قال الكَرْمانيُّ في قوله: (ويدَعوا الناس) : أي: يتركوا النَّاس؛ أي: لا يُتعرَّض لهم، رحِم الله امرأً شغله خويصَّةُ نفسه عن الغير، نعم؛ إن قدِرَ على إيصال خيرٍ فبِها ونِعمَت، وإلَّا تركُ الشرِّ أيضًا خيرٌ.