عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب نهي النبي على التحريم إلا ما تعرف إباحته
  
              

          ░27▒ (ص) بَابُ نَهْيِ النَّبِيِّ صلعم عَلَى التَّحْرِيمِ، إِلَّا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان نهي النَّبِيِّ صلعم واقعٌ على التحريم، وهو حقيقةُ فيه إلَّا ما تُعرَف إباحته بقرينة الحال، أو بقيام الدليل عليه، أو بدلالة السياق، فقوله: (نَهْي النَّبِيِّ صلعم ) كلامٌ إضافيٌّ مرفوعٌ بالابتداء، وقوله: (عَلَى التَّحْرِيمِ) خبره، ومتعلَّقه: حاصلٌ أو واقعٌ أو نحو ذلك.
          (ص) وكَذَلِكَ أمرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا: «أَصِيبُوا مِنَ النِّساءِ».
          (ش) أي: كحكم النهي حكم أَمْرِه؛ يعني: تحريم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم الدليل على إرادة الندب أو غيره.
          قوله: (نَحْوَ قَوْلِهِ) أي: قول النَّبِيِّ صلعم في حجَّة الوداع حين أحلُّوا مِنَ العمرة.
          قوله: (أَصِيبُوا) أمرٌ لهم بالإصابة (مِنَ النِّسَاءِ) أي: بجماعهنَّ، وقال أكثر الأصوليِّين: النهي ورد لثمانية أوجهٍ، وهو حقيقةٌ في التحريم مجازٌ في باقيها، والأمر لستَّة عشر وجهًا، حقيقةٌ في الإيجاب مجازٌ في البواقي.
          (ص) وَقَالَ جَابِرٌ: ولَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ ولَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ.
          (ش) أي: (قَالَ جَابِرٌ) ابن عبد الله: (وَلَمْ يَعْزِمْ) أي: لم يوجب النَّبِيُّ صلعم (عَلَيْهِمْ) الجماع؛ أي: لم يأمرهم أمر إيجابٍ، بل أمرهم أمر إحلالٍ وإباحةٍ.
          (ص) وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَليْنَا.
          (ش) اسم (أُمِّ عَطِيَّةَ) نسيبة مصغَّرة ومكبَّرة الأنصاريَّة.
          قوله: (نُهِينَا) على صيغة المجهول، ومثله يُحمَل على أنَّ الناهي كان رسول الله صلعم ، أراد: أنَّ النهي لم يكن للتحريم بل للتنزيه؛ لقوله: (وَلَمْ يَعْزِمْ) أي: ولم يوجب علينا، وهذا التعليق قد مضى موصولًا في (كتاب الجنائز).