عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه
  
              

          ░3▒ (ص) بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما يُكرَه مِن كثرة السؤال عن أمورٍ مغيَّبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيَّتها، والسؤال عمَّا لا يكون له شاهدٌ في عالم الحسِّ، كالسؤال عن قرب الساعة وعن الروح وعن مدَّة هذه الأمَّة إلى أمثال ذلك مِمَّا لا يُعرَف إلَّا بالنقل الصرف.
          قوله: (وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ) أي: ما لا يهمُّه.
          (ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101].
          (ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (مَا يُكرَه) وكأنَّه استدلَّ بهذه الآية على المدَّعى مِنَ الكراهة، وفي سبب نزولها اختلافٌ؛ فقال سعيد بن جُبَيرٍ: نزلت في الذين سألوا عن البَحِيرة والسائبة والوَصيلة، ألا ترى أنَّ ما بعدها: {مَا جَعَلَ اللهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ}[المائدة:103] وقال الحسن البَصْرِيُّ: سألوه عن أمور الجاهليَّة التي عفا الله عنها، ولا وجهَ للسُّؤال عمَّا عفا الله عنها، وقيل: كان الذي سأل رسولَ الله صلعم عن أبيه تَنازَعَه رجلان، فأخبره بأبيه منهما، واعلم أنَّ السؤال عن مثل هذا لا ينبغي، وأنَّه إذا ظهر فيه الجوابُ ساء ذلك السائل، وأدَّى ذلك إلى فضيحة، وقيل: إِنَّما نهى في هذه الآية لأنَّه أحبَّ الستر على عباده رحمةً منه لهم، وأحبَّ ألَّا يقترحوا المسائل، وقال المُهَلَّب: وأصلُ النهي عن كثرة السؤال والتنطُّع في المسائل مُبيَّنٌ في قوله تعالى في بقرة بني إسرائيل حين أمرهم الله تعالى بذبح بقرةٍ، فلو ذبحوا أيَّ بقرةٍ كانت لكانوا مؤتمرين غيرَ عاصين، فلمَّا شدَّدوا شدَّد الله عليهم، وقيل: أراد النهيَ عن أشياء سكت عنها، فكره السؤال عنها؛ لئلَّا يُحرِّمَ شيئًا كان مسكوتًا عنه.