عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى
  
              

          ░13▒ (ص) بَابُ مَا جَاءَ فِي اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:45].
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء في اجتهاد القضاة في حكمهم بما أنزل الله تعالى، وفي رواية أبي ذرٍّ والنَّسَفِيِّ وابن بَطَّالٍ وطائفةِ: <باب ما جاء في اجتهاد القضاء > و(الاجتهاد) لغةً: المبالغة في الجهد، واصطلاحًا: استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعيَّة.
          قوله: (لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}) في القرآن أيضًا: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:47] {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44] وتخصيصُ آية الظلم مِن حيث إنَّ الظلم عامٌّ شاملٌ للفسق والكفر؛ لأنَّه وَضْعُ الشيء في غير موضعه، وهو يشملُهما.
          (ص) وَمَدَحَ النَّبِيُّ صلعم صَاحِبَ الْحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، لَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الْعِلْمِ.
          (ش) يجوز في قوله: (وَمَدَحَ النَّبِيُّ صلعم ) وجهان؛ أحدهما: أن يكون مصدرًا مجرورًا عطفًا على قوله: (ما جاء في اجتهاد القضاة) ويكون / المصدر مضافًا إلى فاعله، وقوله: (صَاحِبَ الْحِكْمَةِ) منصوبٌ على أنَّهُ مفعوله، والثاني: أن يكون فعلًا ماضيًا مِن المدح، ويكون (النَّبِيُّ) مرفوعًا على أنَّهُ فاعلٌ له، و(صاحبَ الحكمة) منصوبٌ على المفعوليَّة، والحكمة: العلم الوافي المتقن.
          قوله: (حِينَ يَقْضِي بِهَا) أي: بالحكمة.
          قوله: (مِنْ قِبَلِهِ) بكسر القاف وفتح الباء المُوَحَّدة؛ أي: مِن جهته، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <مِن قِيله > بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف؛ أي: مِن كلامه، وفي رواية النَّسَفيِّ: <مِن قِبَل نفسه>.
          قوله: (وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (في اجتهاد القضاة) أي: وفيما جاء في مشاورة الخلفاء، أراد أنَّ مشاورة الخلفاء وسؤالهم أهلَ العلم بما أنزل الله تعالى في الأحكام، وذِكْرُ الخلفاء ليس بقيدٍ؛ لأنَّ سائر الحكَّام في ذلك سواءٌ، وقوله: (أَهْلَ الْعِلْمِ) منصوبٌ تنازَعَ فيه العاملان؛ أعني: قوله: (مُشاورة) وقوله: (وَسُؤَالِهِمْ).