الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا.

          3325- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بفتحِ الميم واللامِ؛ أي: القَعنبيُّ، قال: (حَدَّثَنَا) وفي بعضِ الأصُولِ: <أخبرنا> (سُلَيْمَانُ) أي: ابن بلالٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ) بالخاء المعجمةِ والصَّاد المهملةِ مصغَّراً، نسبَهُ لجدِّه وإلَّا فأبوهُ عبد الله الكندِيُّ المدنيُّ.
          قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفرادِ (السَّائِبُ) بالسِّين المهملةِ فألف فهمزة فموحدة (ابْنُ يَزِيدَ) أي: الكندِيُّ صحَابيٌّ صغيرٌ (سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ) بالزاي مصغَّراً، قال في ((التقريب)): أزْدِيٌّ من أزْدِ شَنُوءَة _بفتحِ المعجمةِ وضم النونِ وبعد الواو همزةٌ_،صحَابيٌّ يعدُّ في أهلِ المدِينةِ، انتهى.
          (الشَّنِّيَّ) بفتحِ الشِّين المعجمةِ وكسر النونِ المشددة فياء كذلك، ولأبي ذرٍّ: <الشَّنَوِي> بفتحِ النونِ وكسر الواو الخفيفتين، وفي بعض الأصُولِ: <الشَّنَئِي> بفتحِ النونِ فهمزة مكسورة / نسبةً إلى شنُوءةَ، كذا في العَينيِّ، وتبعهُ القسطلَّانيُّ، لكن قال في ((المقدمة)) بعد ضبطِهِ بما ذكرَ آخراً: هو صحَابيٌّ مرادُهُ شنُوءةَ، قال: وليس في الصَّحيحِ بالسِّين المهملةِ والموحَّدة بوزن نسي، انتهى.
          وقال في ((الصحاح)): الشَّنوءَة على فعولَة: التَّقزُّزُ وهو التَّبَاعدُ من الأدنَاسِ، تقولُ: رجلٌ فيه شنُوءةٌ؛ أي: تقزُّزٌ، ومنه: أزدُ شنوءَةَ حيٌّ من اليَمنِ يُنسبُ إليهم شنائيٌّ، قال ابن السِّكِّيت: ربَّما قالوا: أزد شنوَّة، بالتَّشديدِ غير مهموزٍ، وينسبُ إليها شنويٌّ، انتهى.
          (أَنَّهُ) أي: سفيانَ (سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى) بفتحِ الفوقيَّة بعدَ القافِ السَّاكنة (كَلْباً).
          وجملة: (لاَ يُغْنِي) بضمِّ أوَّله (عَنْهُ زَرْعاً وَلاَ ضَرْعاً) صفةُ ((كلباً)) أي: لا ينفعهُ في زرعِهِ ولا في ضرعِهِ؛ أي: ماشيتِهِ، وقال في ((القاموس)): الضَّرعُ: معرُوفٌ، للظِلْفِ، والخُفِّ أو للشَّاةِ والبَقَرِ ونحوِهِما.
          (نَقَصَ) بفتحاتٍ، جوابُ ((من)) الشَّرطية (مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، فَقَالَ السَّائِبُ) أي: لسفيانَ المذكُور (أَنْتَ) أي: أأنتَ (سَمِعْتَ هَذَا) أي: الحديثَ (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلعم، قَالَ) أي: سفيَانُ (إِيْ) بكسرِ الهمزةِ وسكونِ التحتيَّة، حرفُ جوَابٍ بمعنَى: نعم، وهي لتَصْديقِ الخبرِ ولإعلام المُستَخبرِ ولوَعدِ الطَّالبِ (وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ) أي: الكَعبةِ، وواوُ ((ورب)) للقَسمِ، كقوله تعالى: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:53] لتأكيدِ الخبرِ وتحقيقِهِ، وتقدَّمَ أولَ البابِ أنَّ أحاديثَهُ لا تعلُّقَ لها بترجمتِهِ سوى الأوَّل، وقالَ الكرمانيُّ: فإن قلتَ: لا تعلُّقَ لبعضِ هذه الأحادِيثِ لتَرجمةِ البابِ.
          قلتُ: هذا آخرُ كتابِ: بدءِ الخلق، فذكرَ فيه ما ثبتُ عندَهُ مما يتعلَّقُ ببعضِ المخلوقَاتِ، انتهى.
          وردَّهُ العينيُّ فقال: هذا بعِيدٌ جدًّا؛ لأنَّهُ لا تعلُّقَ لها أصلاً بالتَّرجمةِ، وكونها لا تتعلَّقُ بالمخلوقَاتِ لا يقتَضِي المناسَبةَ، انتهى فتأمَّله.
          وقال ابنُ الملقِّن: ذكرَ المصنِّفُ أحادِيثَ الكلبِ هنا؛ لِما أتى عن ابن عبَّاسٍ وغيرهِ أنَّها من الجنِّ، والتَّرجمةُ قرِيبةٌ من الجنِّ، انتهى.
          واعترضهُ العَينيُّ فقال: هذا أبعَدُ؛ أي: مما قالَهُ الكرمَانيُّ؛ لأنَّ كونَها من الجنِّ يقتَضِي ذكرَهَا في باب الجنِّ، وكيف يكونُ قريباً وبينه وبين التَّرجمةِ ثلاثةُ أبوابٍ، انتهى.
          وأقولُ: هذا قُربٌ نسبيٌّ، ثمَّ قال العينيُّ: والجوابُ الموجَّهُ أنَّ هذه التَّرجمةَ ليست بموجُودةٍ عند الكثيرينَ من الرُّواةِ، وحينئذٍ فتحصُلُ المطابقَةُ بينها وبين التَّرجمةِ السَّابقةِ وهي قولُهُ: بابُ قولِ الله تعالى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [لقمان:10] انتهى.
          وأقولُ: يحتاجُ إلى الجوابِ على إثباتِ التَّرجمةِ، وهذا آخرُ كتابِ: بدء الخلق، وقد اشتملَ كما في ((الفتح)) من الأحادِيثِ المرفُوعةِ على مئةٍ وستِّينَ حديثاً، المعلَّقُ منها اثنان وعشرُونَ حديثاً، والبقيَّةُ موصولةٌ، المكرَّرُ منها فيه وفيما مضى ثلاثةٌ وتسعُونَ، والخالِصُ سبعَةٌ وستُّونَ، وافقَهُ مسلمٌ على تخرِيجِها سوى خمسةَ عشرَ حديثاً، وفيهِ من الآثَارِ عن الصَّحابةِ ومن بعدَهُم أربعُونَ أثراً.