الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: من أمسك كلبًا ينقص من عمله كل يوم قيراط

          3324- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أي: التَّبوذكيُّ، قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتحِ الهاء وتشديدِ الميم الأولى، هو: ابنُ يحيى العوذيُّ (عَنْ يَحْيَى) أي: ابنِ أبي كثيرٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بفتحات، هو: عبد الرَّحمنِ بن عوف (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: مَنْ أَمْسَكَ كَلْباً) نكرةً في سياق الشَّرطِ فتعمُّ، ولذا استَثنَى منهُ (يَنْقُصْ) بالجزم، لفظُ جوابِ: ((من))، وفي كثيرٍ من الأصُولِ: <ينقصُ> بالرَّفعِ وهو حسَنٌ؛ لأنَّ فعل الشَّرطِ ماضٍ، قال ابنُ مالكٍ:
وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ
          وفي بعض الأصُولِ: <نَقَصَ> ماضٍ فيكون مجزُوماً محلًّا.
          (مِنْ عَمَلِهِ) أي: من أجرِ عملِهِ (كُلَّ يَوْمٍ) ظرفٌ لـ((ينقص)) والمرادُ: كُلَّ وقتٍ، أو فيه حَذفٌ كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81] (قِيرَاطٌ) فاعلُ: ((نقص)) وأصلُهُ: قرَّاط _بتشديد الرَّاء_ فأبدلت الرَّاء الأولى ياءً كدينار، ولمسلمٍ: ((قيراطان)) ولا ينافِيهِ ما هنا؛ لأنَّ العَددَ لا مفهُومَ له فالحكمُ للزَّائدِ، أو لأنَّ الحدِيثَين محمُولان على اختلافِ النَّوعِ، فبعض الكلابِ أشدُّ ضرراً، أو على اختلافِ المواضِعِ فالقيراطَانِ في نحو المدنِ، والقيراطُ في البوَادِي، أو القيراطَينِ في مدينةِ النَّبيِّ، والقيرَاطُ في غيرِها، أو على اختلافِ الزَّمنِ فذَكَرَ القيراطَ أولاً ثمَّ زاد التَّغليظَ فذَكَرَ القيراطَينِ، والمرادُ بالقيرَاطِ مقدارٌ معلُومٌ عند الله تعالى، والنَّقصُ من العَملِ الماضِي، وقيل: من المستقبلِ واختلفُوا في محلِّ النُّقصَانِ، فقيلَ: قيرَاطٌ من عمَلِ اليومِ، وقيرَاطٌ من عملِ اللَّيلِ، وقيل: قيراطٌ من عمَلِ الفرْضِ، وقيراطٌ من عملِ النَّفلِ، وقيل: غير ذلك.
          قيل: سببُ النَّقصِ امتناعُ الملائِكةِ من دخُول بيتِهِ كما جاءَ في الجروِ الذي كان تحتَ السَّريرِ في بيت أمِّ سلمةَ، وقيل: سببُهُ ما يلحقُ المارِّينَ من الأذى، وقيل: عقُوبةً لهم لاتِّخاذهِم ما نُهِيَ عنه، وقيل: لولوغِهِ في الأوَانِي عند الغفلةِ عنه.
          (إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ) بالتَّنكيرِ في الموضعَينِ، والمرادُ بـ((الحرث)) الزَّرعُ، وبـ((الماشية)) الإبلُ والبقرُ والغنمُ، وأكثرُ ما تستعمَلُ في الغَنمِ، و((إلَّا)) هنا بمعنَى: غير، صفةٌ لـ((كلب)) كقولِهِ تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] ويجُوزُ أن تكونَ للاستِثنَاءِ، وعلى كلٍّ فـ((أو)) للتَّنويع، وقيسَ عليهما إمساكُهُ لحراسَةِ الدُّور ونحوهِما.
          وتقدَّمَ الحديثُ في كتابِ المزَارعةِ.