الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر الملائكة

          ░6▒ (باب ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ عَلَيهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ) قال في ((الفتح)): قدم المصنفُ ذكرَ الملائكَةِ على الأنبياءِ لا لكونهم أفضلَ عنده بل لتقدُّمِهِم في الخلقِ ولسبْقِ ذكرهِم في القرآن في عدَّةِ آيات، وقد وردَ عند مسلمٍ في حديث جابر في صفة الحجِّ: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) ولأنَّهم وسائطُ بين الله وبين رسلِهِ في تبليغ الوحي والشرائع ناسَبَ أن يُقدِّمَ الكلامَ فيهم على الأنبياءِ ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أفضلَ منهم.
          والملائكةُ جمع مَلَك _بفتحتين_ ويجمع أيضاً على أمْلَاك ومَلَائِك _بلا تاء_ وأصل مَلَك مَالِك فقدمت اللام وأخِّرَتْ الهمزةُ، فوزنُهُ مَفعِل، من الألُوكَةِ، وهي الرِّسالةُ؛ أي: فهمِ وسائطُ بين اللهِ وبين الناسِ، ثم تُرِكَتْ همزتُه في المفردِ تخفيفاً لكثرَةِ الاستعمَالِ، فقيل: مَلَك فلمَّا جمعوهُ ردُّوه إلى أصلهِ من إثباتِ الهمزة، وإن كان جمْعُهُ إنما هو على القلبِ حيث قالوا: ملائكة، ولم يقولوا: مَأْلكة، قاله في ((الفتح)).
          وزيدت التاء للمُبَالغة، أو لتأنيثِ الجمْعِ، وهذا قولُ سيبويهِ، والجمهورُ على ما في ((الفتح)).
          وقال ابنُ سيدَهْ: ملائِك جمع مَلَك _مخفف_ مَلْأَك، كالشَّمائِل جمع: شَمْأل.
          وقال الكرمانيُّ: قال ابنُ كَيسَان: فعال، من الملك، وأبو عبيدةَ: مفعل، من لاك: إذا أرسلَ، لكن قال في ((الفتح)): وعن أبي عبيدة: الميمِ في المَلَك أصليَّة، ووزنه فَعَلٌ كأَسَدٍ، وهو من المَلْكِ _بالفتح_ وهو الأخذُ بقوَّةٍ، قال: فعلى هذا وزنُ ملائكة فعائلة، ويؤيِّده أنهم جوَّزوا في جمعه أَمْلاك، وأفْعال لا يكون جمعاً لما في أوله ميمٌ زائدةٌ، انتهى.
          وزاد العينيُّ: وقيل: مأخوذٌ من المِلْك _بالكسر_؛ لأنَّ الله تعالى جعل لكل مَلَكٍ مِلْكاً فمِلْكُ مَلَكِ الموت قبض الأرواح، ومِلْكُ إسرافيل النفخَ في الصُّور، وكذا سائرُ الملائكةِ، قال: ويفسد هذا قولُهُم ملائكة _بالهمز_ ولا أصلَ له على هذا القول في الهمزِ، والملائكةُ: أجسامٌ لطيفةٌ هوائيَّة، وقال بعضهم: أجسامٌ نورانيةٌ؛ أي: يغلبُ ذلك عليهم وإلا فهم مركَّبون من العنَاصرِ الأربعةِ أُعطيَتْ قدرةَ التَّشكل بأشكالٍ مختلفةٍ بأسماء يتلوَّنها ولهم قدرةٌ على الأعمَالِ الشَّاقةِ علينا، وقيل: هي الكواكبُ، وقيل: هي الأنفسُ الخيِّرة التي فارقَتْ أجسَادها، وقيل: غير ذلك من الأقوالِ التي لا يوجدُ في الأدلَّة السَّمعيَّة شيءٌ منها، قاله في ((الفتح)).
          وقيل: إنَّها جواهرٌ بسيطةٌ ذوات نُطْقٍ وعقلٍ تقدّسوا عن ظلمةِ الشَّهوة وكُدُوْرَةِ الغضَبِ لا يعصُونَ الله ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمرُون طعامَهُم التَّسبيحُ وشَرَابهم التَّقديسُ وأُنْسُهُم بذكرِ اللهِ تعالى خُلقُوا على صُوَرٍ مختلفَةٍ وأقدَارٍ متفاوتَةٍ لإصلاحِ مصنوعاتِهِ، كما قيل في الجنِّ، ففي ((التُّحفَةِ)) لابن حجر: الجنُّ أجسامٌ هوائيَّة أو ناريَّة؛ أي: يغلبُ عليهم ذلك فهم مركَّبُون من العناصِرِ الأربعة كالملائكة على قولٍ، وقيل: أرواحٌ مجرَّدةٌ، وقيل: نفوسٌ بشرية مفارقة من أبدانها وعلى كلٍّ فلهم عقولٌ وفَهْمٌ ويقدرونَ على التَّشكُّل بأشكالٍ مختلفَةٍ وعلى الأعمالِ الشَّاقة في أسرع زَمَنٍ، انتهى.
          وعبارةُ البيضاويِّ في الملائكةِ: واختلفَ العُقَلاء في حقيقتِهِم بعد اتفاقِهِم على أنها ذواتٌ موجودةٌ قائمةٌ بأنفسها، فذهب أكثر المسلمين إلى أنها أجسامٌ لطيفةٌ قادرةٌ على التَّشكل بأشكالٍ مختلفةٍ مُستَدِلِّين بأن الرسلَ كانوا يرونهم كذلك، وقالتْ طائفةٌ من النَّصَارى: هم النُّفوس الفاضِلة البشريَّة المفارِقَةُ للأبدان وزعم الحُكماء أنَّها جواهرٌ مجرَّدةٌ مخالفَةٌ للنُّفوسِ النَّاطقَةِ في الحقيقَةِ منقسمَةٌ إلى قسمين: قسمٌ شأنُهُم الاستغراقُ في معرفَةِ الحقِّ والتَّنَزُّهِ عن الاشتغَالِ بغيرِهِ، كما وصَفَهم في مُحكَم / تنزيلهِ، فقال: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20] وهم العُلويون والملائكةُ المقرَّبون.
          وقسمٌ يدبرُ الأمرَ من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به القلمُ الإلهي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المُدبِّرات أمراً فمنهم سماويَّة ومنهم أرضيَّة على تفصيل أثبته في ((الطوالع)) انتهت.
          وذكر القسطلَّانيُّ وغيرُه: قوله: وقسم تُدَبِّر الأمر... إلخ، فقال: لأنَّهم بالنَّسبة لما هيَّأَهُم الله له أقسام: منهم حملةُ العرش، ومنهم الكَرُوبِيُّونَ الذين هم حولَ العرشِ، وهم أشرافُ الملائكةِ مع حملةِ العرشِ، وهم الملائكةُ المقرَّبون، ومنهم جبريلُ وإسرافيلُ وميكائيلُ، وقد ذكرَ الله تعالى أنَّهم يستغفرون للمُؤمنين بظهرِ الغيبِ.
          وروى الطبريُّ: عن أبي العاليَّة قال: جبريلُ من الكَرُوبِيِّين، وهم سادةُ الملائكةِ.
          وقال في ((الفتح)): ومن مشاهيرِ الملائكةِ إسرافيلُ ولم يقعْ له ذكرٌ في أحاديث الباب، قال: وروى النَّقَّاش أنه أوَّل من سجَدَ من الملائكةِ فجُوزِيَ بولايةِ اللَّوح المحفوظِ، قال: وروى الطبريُّ من حديث ابن عبَّاس أنَّه الذي نَزَلَ على النَّبيِّ فخيَّره بين أن يكونَ نبيًّا عبداً أو نبيًّا ملكاً، فأشارَ إليه جبريلُ أنْ تواضعَ، فاختار أن يكون نبيًّا عبداً.
          ومنهم سكَّانُ السَّماوات السَّبع يعمرونها عمَارة لا يَفْتُرون، فمنهم الراكعُ دائماً والقائمُ دائماً والسَّاجد دائماً، ومنهم الذين يتعاقبُون زُمَراً بعد زمر إلى البيت المعمُور كل يوم سبعون ألفاً لا يعودونَ إليه، ومنهم الموكَّلون بالجِنَان وإِعْداد الكرامة لأهلها وتهيئةِ الضِّيافة لسَّاكنيها من ملابسَ ومسَاكنِ ومآكلَ ومشاربَ وغير ذلك مما لا عينَ رأتْ ولا أذنٍ سمعَتْ ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، ومنهم الموكَّلون بالنار، ومنهم الزَّبانيَّة ومقدَّمُوهم تسعة عشر وخازنها مالكٌ، وهو مُقَدَّمٌ على جميعِ الخزنَةِ، ومنهم الموكَّلون بحفظِ بني آدم فإذا جاءَ قدرُ الله خلوا عنه، ومنهم الموكَّلون بحفظِ أعمالِ العباد لا يُفارِقُون الإنسان إلا عند الجنابةِ والغائطَ والغُسل.
          وقد روى الطبرانِيُّ من حديث ابن عبَّاس بسند فيه ضعيفٌ _كما في ((الفتح))_:أن رسولَ الله صلعم قال لجبريلَ عليه السَّلام: ((على أيِّ شيءٍ أنت؟)) قال: على الرِّيحِ والجنُود، قال: ((وعلى أيِّ شيءٍ ميكائيل؟)) قال: على النَّبات والقَطْر، قال: ((وعلى أيِّ شيءٍ ملك الموت؟)) قال: على قبضِ الأرواحِ.
          وروى الترمذيُّ: عن أبي سعيد مرفوعاً: ((وَزيرايَ من أهل السَّماء جبريلُ وميكائيلُ)) وفي حديث أنسٍ عند الطبرانِيِّ مرفوعاً: ((أنَّ ميكائيلَ ما ضحِكَ منذ خُلِقَتِ النَّار)) وروى الطبرانِيُّ عن أنسٍ بلفظ: أنَّ النبيَّ صلعم قال لجبريل: ((ما لي لم أرَ ميكائيلَ ضَاحكاً؟)) قال: ما ضحك منذ خلقت النار.
          وورَدَ أنَّ له أعواناً يفعلون ما يأمرُهُم به فيصرفون الرِّياح والسَّحاب، كما يشاءُ الله تعالى وروينا أنَّه ما من قطرةٍ تنزلُ من السَّماء إلا ومعها ملكٌ يُقِرُّها في الأرضِ.
          وقال في ((فتح الباري)): ذكر المصنِّف في البابِ أحاديثَ تزيدُ على ثلاثين حديثاً قال: وهو مِن نوادرِ ما وقَعَ في هذا الكتَابِ فإن عادتَهُ الغالبة أن يفصِلَ الأحاديث بالتَّراجم ولم يصنعْ ذلك هنا، وقد اشتملَتْ أحاديثُ الباب على ذكر بعضِ من اشتُهِرَ من الملائكَةِ كجبريل ووقعَ ذكرُه في أكثرِ أحاديثهِ وميكائيلُ وهو في حديث سَمُرَة وحدَه، والملك الموكَّل بتصويرِ ابنِ آدم، ومالِك خازنُ النارِ، وملكُ الجبالِ والملائكةُ الذين في كلِّ سماء، والملائكةُ الذين ينزلونَ في السَّحابِ، والملائكةُ الذين يدخلونَ البيتَ المعمورَ والملائكةُ الذين يكتبون النَّاسَ يوم الجُمُعَةِ وخزنةُ الجنَّة، والملائكةُ الذين يتعاقبُون، ووقَعَ ذكرُ الملائكةِ على العمومِ في كونهم لا يدخلونَ بيتاً فيه تصَاويرُ، وأنهم يؤمِّنُون على قراءَةِ المصلِّي، ويقولونَ: ربَّنا ولك الحمدُ ويَدْعُون لمنتظرِ الصَّلاة ويلعنُونَ مَن هجَرَتْ فراشَ زوجهَا واتُّفق / على عصمَةِ الرُّسل منهم كعصمَةِ رُسُلِ البشرِ، وأنهم معهم كهُم مع أمَمِهم في التَّبليغِ وغيرِهِ، واختُلِفَ في غيرِ الرُّسلِ منهم فذهَبَ بعضُهم إلى القولِ بعدمِ عصمَتِهِم لقصَّةِ هاروْتَ وماروْتَ وما رُوِيَ عنهما من شُرْبِ الخمرِ والزِّنا والقتلِ ممَّا رواهُ أحمدُ مرفوعًا، وصحَّحه ابن حبَّانَ.
          ومفهوم آية: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [البقرة:34] الآية إذْ مفهُومها أنَّ إبليسَ كان منهم وإلَّا لم يتناولْه أمرُهُم ولم يصحَّ استثناؤهُ منهم، قال في ((الأنوار)): ولا يَرِدُ على ذلك قولُهُ تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف:50] لجوازِ أن يُقال: كان من الجنِّ فعلاً، ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عبَّاس روى أنَّ من الملائكةِ ضَرْبًا يتوالدُون، يقال لهم: الجنُّ ومنهُم إبليسُ وحاصله أنَّ من الملائكةِ من ليس بمعصُومٍ وإن كان الغالبُ فيهم العصمَةَ، كما أنَّ من الإنس معصُومِينَ وإن كان الغالبُ فيهم عدَمُها ولعلَّ ضربًا من الملائكةِ لا تُخالِفُ الشَّياطِين بالذَّات، وإنما تخالفُهم بالعَوارِضِ والصِّفات كالبررَةِ والفسقَةِ من الجنِّ والإنسِ والذي عليه المحقِّقُون عِصمَةُ الملائكة مطلقًا.
          وأجابُوا بأن إبليسَ كان جنيًّا نشأَ بين أظهرُ الملائكةِ وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه أو أنَّ الجنَّ كانوا مأمورينَ مع الملائكةِ لكن استَغْنَى بذكرِ الملائكة عن ذكرِهِم، فإنه إذا عُلِمَ أن الأكابرَ مأمورونَ بالتَّذلُّل لأحدٍ والتَّوسُّل به عُلِمَ أن الأصَاغرَ أيضًا مأمورونَ به، قال: وأمَّا قصَّة هاروتَ وماروتَ فرواهَا أحمدُ وابن حبَّانَ ولفظ أحمدَ عن ابن عُمر ☻: أنَّه سمعَ النبيَّ صلعم يقول: ((إنَّ آدم لما أُهبِطَ إلى الأرضِ قالتْ الملائكةُ: أَيْ رب {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:30] الآية، قالوا: ربنا نحن أطوَعُ لك من بني آدم، قال اللهُ تعالى للملائكة: هلمُّوا ملكين من الملائكة حتى نُهبِطَهُما إلى الأرض ومُثِّلَتْ لهما الزُّهرَة امرأةٌ من أحسنِ البشرِ فجاءتهما فسألاها نفسَهَا، فقالتْ: لا والله حتى تَكَلَّما بهذه الكلمةِ من الإشراكِ، فقالا: واللهِ لا نشركُ باللهِ أبدًا، فذهبتْ عنهما ثمَّ رجعَتْ بصبيٍّ تحملُه فسألاها نفسها، فقالَتْ: لا واللهِ حتى تقتُلا هذا الصَّبيَّ، فقالا: واللهِ لا نقتله أبدًا، فذهبَتْ ثم رجعَتْ بقدَحِ خمرٍ فسألاها نفسها، فقالَتْ: لا واللهِ حتى تشرَبَا هذا الخمرَ فشربا فسكرَا فوقعَا عليها، وقتلا الصَّبيَّ فلمَّا أفاقا، قالتْ المرأةُ: والله ما تركتما شيئًا أبيتمَاهُ عليَّ إلا قد فعلتُمَاه حين سكرتُما فخُيِّرا بين عذابِ الدُّنيا وعذابِ الآخرَةِ فاختَارا عذابَ الدُّنيا)) وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجْهِ ورجاله كلُّهم من رجالِ الصَّحيحين إلَّا موسى بن جُبير هذا وهو الأنصَاريُّ السُّلمِيُّ الحداد، ذكرهُ ابن حبَّان في كتاب ((الجرحِ والتَّعدِيل)) ولم يحكِ فيه شيئًا فهو مستورُ الحال، وقد تفرَّد به عن نافعٍ مولى ابن عُمر عن ابن عمر عن النَّبيِّ صلعم، ورُوِيَ له متابعٌ من وجهٍ آخرَ عن ابن مردويهِ عن نافعٍ عن ابن عُمر عن النَّبيِّ صلعم.
          لكنَّه رواه عبدُ الرَّزَّاقِ في تفسيرِهِ عن الثَّوريِّ عن موسى بن عُقبة عن سالمٍ عن ابن عُمر عن كعبٍ قال: ذَكرتِ الملائكةُ أعمالَ بني آدم وما يأتون من الذُّنوبِ، فقيل لهم: اختارُوا منكم اثنين فاختارُوا هاروتَ وماروتَ... الحديث.
          ورواه ابنُ جريرٍ من طريقين عن عبدِ الرَّزَّاق عن كعبِ الأحبَارِ، قال الحافظ ابنُ كثير: فهذا أصحُّ وأثبتُ إلى عبد الله بن عُمر، وسالمٌ أثبت في أبيه من مولاه نافع فدار الحديث ورجع إلى كعبِ الأحبارِ عن كتبِ بني إسرائيل.
          وقيل: إنهما كانا قبيلتين من الجنِّ، قاله ابن حزمٍ، وهذا غريبٌ وبعيدٌ عن اللَّفظِ، وعند ابن الجوزيِّ في ((زاد المسير)) أنهما هَمَّا بالمعصيَةِ ولم يفعلاها ومنهم من قرأ: ▬الملِكين↨ بكسرِ اللام، وقال: إنهما عِلْجَان من أهلِ فارس، / قاله الضَّحَّاك.
          وروى الحاكمُ في ((مُستَدرَكِه)) وقال: صحيحُ الإسناد ولم يخرجَاه عن ابن عبَّاس، وابنُ أبي حاتم عن ابن عبَّاس قال: لما وقعَ النَّاسُ من بعد آدم عليه السَّلام فيما وقعُوا فيه من المعاصِي... الحديث.
          وفيه قال: وفي ذلك الزَّمان امرأة حُسْنُها في النِّساءِ كحُسن الزُّهرَةِ في سائرِ الكواكبِ، وهذا اللَّفظُ أحسنُ ما وردَ في شأنِ الزُّهرَةِ، انتهى.
          وقال في ((الفتح)): في صفةِ الملائكةِ وكثرتهم أحاديثُ:
          منها: ما أخرجَهُ مسلم عن عائشةَ مرفوعًا: ((خُلِقَتِ الملائكةُ من نورٍ...)) الحديث.
          ومنها: ما أخرجَهُ الترمذيُّ وابن ماجَه والبَزَّار من حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: ((أطَّتِ السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلَّا وعليه ملك ساجدٌ...)) الحديث.
          ومنها: ما أخرجه الطبرانِيُّ من حديث جابر مرفوعًا: ((ما في السَّماواتِ السَّبعِ موضع قدمٍ ولا شبرٍ ولا كفٍّ إلا وفيه ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ)) وللطَّبرانيِّ نحوه من حديثِ عائشةَ، ثم قال أيضاً: وروى أحمدُ والترمذيُّ عن أبي سعيد قال: قال رسولُ الله: ((كيف أنعَمُ وصاحبُ الصُّورِ _أي: إسرافيل_ قد التَقَمَ القَرْنَ وحَنَى جبهتَهُ وانتظرَ أن يُؤذَنَ له...)) الحديث.
          وقال: قد اشتملَ كتاب ((العَظَمَةِ)) لأبي الشَّيخ من ذكرِ الملائكة على أحاديثَ وآثارٍ كثيرةٍ فليطلبها منه من أرادَ الوقوفَ على ذلك.
          وفيه: عن عليٍّ أنه ذكرَ الملائكةَ، فقال: منهم الأُمَناء على وحيهِ، والحفظَةُ لعبادِهِ، والسَّدَنَةُ لجِنَانهِ، والثَّابتة في الأرض السُّفلى أقدامُهُم، المارقةُ من السَّماء العُليا أعناقُهُم، الخارجةُ من الأقطارِ أكتافُهُم، الماسة لقوائم العرشِ أكتافُهم، انتهى.
          وقد أطال الجلال السُّيُوطي من ذكرِ ملائكة في كتابهِ: ((الحبائِكِ في أخبَارِ الملائِكِ)) فراجعْهُ وذكر في ((رَبِيع الأَبرَار)) عن سعيد بن المسيَّب قال: الملائكةُ ليسوا ذكورًا ولا إناثًا ولا يأكلونَ ولا يشربونَ ولا يتناكحونَ ولا يَتَوالدُون.
          قلت: وفي قصَّة الملائكة مع إبراهيمَ وسارة ما يؤيِّد أنهم لا يأكلون، وأمَّا ما وقعَ في قصَّة الأكلِ من الشَّجرةِ أنها شجرةُ الخلدِ التي تأكلُ منها الملائكةُ فليس بثابتٍ، وفي هذا وما وردَ من القرآن ردٌّ على من أنكرَ وجودَ الملائكَةِ من الملاحِدَةِ.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) أي: ابن مالك، ممَّا وصله المصنِّف في الهجرَةِ بأبسط مما هنا (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ) بفتحِ السِّين المهملةِ وتخفيف اللام، قال الكرمانيُّ: هو الإسرائيليُّ اليُوسفيُّ الخَزرَجِيُّ المدنِيُّ مات سنة ثلاث وأربعين (لِلنَّبِيِّ صلعم: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ) صفة ((عدو)) أو حالٌ منه، أو من ((جبريل)) روي أنه إنما كان عدواً لهُم؛ لأنه يُطلِعُ رسولُ الله عليه السلام على أسرارِ اليهود، ولأنَّهُ صاحب كلِّ خسْفٍ وعذابٍ، لكن ذكر المفسِّرون في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] أنه نزلَ في عبدِ الله بن صُورِيَا وأنَّه سألَ رسولَ الله عمَّن يَنْزِلُ عليه؟ فقال: ((جبريل)) فقال: ذاك عدوُّنا عادانا مراراً.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الْمَلاَئِكَةُ) هذا التَّعليق قد وصلَهُ الطبريُّ عن عائشة مرفوعاً بلفظ: ((ما في السَّماء موضعُ قدمٍ إلا عليه ملكٌ قائمٌ أو ساجدٌ فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165])).
          الملائكة: وجهُ المطابقةِ في التَّعليقين من ذكر الملائكةِ، والمراد بـ{الصَّافُّونَ}؛ أي: أداء الطَّاعة ومنازل الخدمَةِ.