الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

          ░20▒ (باب مَا يُصِيبُ) أي: المجاهدُ (مِنَ الطَّعَامِ) بيانٌ لـ((ما)) الموصولةِ أو الموصوفةِ، والبابُ مضافٌ إليها، لكن على حذفِ مُضافٍ نحوِ: إباحةِ، أو حُكمِ (فِي أَرْضِ الْحَرْبِ) متعلقٌ بـ((يصيبُ))، بخلافِ في دارِنا، ولم يجزِمْ بالحُكمِ للخلافِ فيه، وقدَّرَه في ((الفتح)) بقولِه: أي: هل يجِبُ تخميسُه في الغانمين، أو يُباحُ أكلُه للمقاتلين؟ وهي مسألةُ خلافٍ، والجمهورُ على جوازِ أخذِ الغانمين من القُوتِ وما يصحُّ به وكلُّ طعامٍ يُعتادُ أكلُه عموماً، وكذلك علَفُ الدوابِّ، سواءٌ كان قبل القِسمةِ أم بعدها، بإذنِ الإمامِ وبغيرِ إذنِهِ.
          والمعنى فيه أنَّ الطعامَ يعِزُّ في دارِ الحربِ، فأُبيحَ للضرورةِ، والجمهورُ أيضاً على جوازِ الأخذِ ولو لم تكُنِ الضرورةُ ناجزةً.
          واتفقوا على جوازِ ركوبِ دوابِّهم ولُبسِ ثيابِهم واستعمالِ سلاحِهم في حالِ الحربِ، وردِّ ذلك بعد انقضاءِ الحربِ، وشرَطَ الأوزاعيُّ فيه إذنَ الإمامِ، وعليه أن يرُدَّه كلما فرغَتْ حاجتُه، ولا يستعمِلُه في غيرِ الحربِ، ولا ينتظِرُ بردِّه انقِضاءَ الحربِ لئلَّا يعرِّضَه للهلاكِ.
          وحجَّتُه حديثُ رُوَيفِعِ بنِ ثابتٍ مرفوعاً: ((مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يأخُذْ دابَّةً من المغنَمِ فيَركَبْها حتى إذا أعجفَها ردَّها إلى المغانمِ)).
          وذُكرَ في الثوبِ كذلك، وهو حديثٌ حسَنٌ أخرجه أبو داودَ والطحاويُّ، ونُقلَ عن أبي يوسُفَ أنه حمَلَه على ما إذا كان الأخذُ غيرَ مُحتاجٍ.
          وقال الزُّهريُّ: لا يأخُذُ شيئاً من الطعامِ ولا غيرِه إلا بإذنِ الإمامِ، وقال سليمانُ بنُ موسى: يأخُذُ ذلك ما لم ينهَهُ الإمامُ، وقال ابنُ المنذرِ: وردَتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ بالتشديدِ في الغُلولِ، واتفقَ علماءُ الأمصارِ على جوازِ أكلِ الطعامِ، وجاء الحديثُ بنحوِ ذلك، فليُقتَصَرْ عليه.
          وأما العلَفُ فهو في معناه، وقال مالكٌ: أباحَ ذبحَ الأنعامِ للأكلِ، كما يجوزُ أخذُ الطعامِ، وقيَّدَه الشافعيُّ بالضرورةِ، انتهى.
          وقال العينيُّ: ولا بأسَ بذبحِ البقرِ والغنمِ قبل أن تقَعَ في المقاسِمِ، هذا قولُ الليثِ والأربعةِ والأوزاعيِّ وإسحاقَ، انتهى.
          واستُدلَّ للجوازِ بأحاديثِ البابِ، وبحديثِ أبي داودَ والحاكمِ، وقال: صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ عن ابنِ أبي أوفى قال: ((أصَبْنا مع رسولِ الله بخيبرَ طعاماً، فكان كلُّ واحدٍ منَّا يأخذُ قَدْرَ كفايتِه)).
          والمعنى فيه: عزَّتُه بدارِ الحربِ غالباً؛ لإحرازِ أهلِه له عنا، فجعلَه الشارعُ مُباحاً، ولأنه قد يفسُدُ، وقد يُتعذَّرُ نقلُه، وقد تزيدُ مُؤنةُ نقلِه، سواءٌ كان معه طعامٌ يكفيه أم لا، لعمومِ الأحاديثِ الدالَّةِ للجوازِ.