الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما جاء في بيوت أزواج النبي وما نسب من البيوت إليهن

          ░4▒ (باب مَا جَاءَ) أي: بيانِ ما وردَ من الأحاديثِ والأخبارِ (فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم وَمَا نُسِبَ) بالبناء للمفعول؛ أي: أُضيفَ (مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ) أي: البيوتِ التي ماتَ النبيُّ صلعم عنها، فقوله: ((من البيوتِ)) بيانٌ لـ((ما))، والنهيُ متعلقٌ بـ((نُسبَ)).
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) وفي أكثرِ الأصولِ: <╡> بالجرِّ عطفاً على المجرورِ السَّابقِ، ويجوزُ رفعُه على أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ؛ أي: مما يتعلقُ بذلك ({وَقَرْنَ}) بكسرِ القافِ وفتحها، قراءتان سبعيتان.
          ({فِي بُيُوتِكُنَّ}) متعلقٌ بـ{قَرنَ}؛ أي: لا تخرُجنَ منها. وقال البيضاويُّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} من: وقَرَ يقِرُ وَقاراً، أو من: قَرَّ يقِرُّ، حُذفتِ الأولى من رائي أقرَرْن، ونُقلَتْ كسرتُها إلى القافِ، واستغنيَ به عن همزةِ الوصلِ، ويؤيدُه قراءةُ نافعٍ وعاصمٍ بالفتح، من: قرَرتُ أقِرُّ، وهو لغة فيه، ويحتملُ أن يكون من قار يقار إذا اجتمع.
          (وَ{لاَ تَدْخُلُوا}) أي: وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا} ({بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53]) ببناء: {يُؤْذَنَ} للمجهول؛ أي: لا تدخُلُوها إلا وقتَ الإذنِ لكم، أو إلا مأذوناً لكم. قال ابنُ عباسٍ: نزلتِ الآيةُ في أناسٍ يتحيَّنون طعامَ النبيِّ صلعم، فيدخلون عليه قبل الطعامِ، ويبقَونَ إلى أن يُدرَكَ، ثم يأكُلون ولا يخرُجون، وكان النبيُّ صلعم يتأذَّى من ذلك، فنزلَتْ.
          تنبيه: قال ابنُ المنيِّرِ وغيرُه: غرضُ المصنِّفِ بهذه الترجمةِ أن يبيِّنَ أنَّ بهذه النسبةِ يحقَّقُ دوامُ استحقاقِهنَّ للبيوتِ ما بقينَ؛ لأنَّ نفقتهنَّ وسُكناهنَّ بعد الموتِ على / الدوامِ من خصائصِ النبيِّ عليه السلام، فنسَبَه البخاريُّ بذكرِ الآيتَين، وأحاديثُ البابِ السبعةِ على أنَّ هذه النِّسبةَ تحقِّقُ دوامَ استحقَاقِهنَّ السُّكنى في البيوتِ ما دُمنَ بالحياةِ، فاستحقَّينَ السُّكنى كما استحقَّينَ النفقةَ، وذلك من خصائصِه عليه السلامُ؛ لأنهنَّ محبوساتٌ عن الزواجِ، فهنَّ في حكمِ المعتدَّاتِ اللاتي لم تنقَضِ عدَّتُهنَّ.