الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله والمساكين

          ░6▒ (باب الدَّلِيلِ) أي: بابُ بيانِ أو ذكرِ الدليلِ (عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ) أي: خُمسَ الغنيمةِ فقط، أو يرادُ بالمعنى الشاملِ للفيءِ (لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم) ((لنوائبِ)) اللامُ للتعليلِ متعلقٌ بمحذوفٍ خبرِ: ((أنَّ)) وهي واسمُها وخبرُها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بـ((على)) المتعلقةِ بـ((الدليل)).
          والنَّوائبُ _بفتحِ النونِ_: جمعُ: نائبةٍ؛ وهي: ما ينوبُ الإنسانَ من الأمرِ الحادثِ، كذا في الشُّراحِ. وقال في ((القاموس)): النَّوْبُ: نزولُ الأمرِ كالنَّوبةِ، وجمعُ: نائبٍ، وما كان منك مسيرةَ يومٍ وليلةٍ، والقوةُ والقُربُ، انتهى.
          والنازلُ يشمَلُ الخيرَ والشرَّ، لكن قال في ((المصباح)): النائبةُ النازلةُ، والجمعُ: نوائبُ؛ وهي: ما ينوبُ من الشرِّ حسب، انتهى، فليتأمل.
          (وَالْمَسَاكِينِ) عطفٌ على: ((رسولِ الله)) جمعُ: مسكينٍ، وتعريفُه والفرقُ بينه وبين الفقيرِ مشهورٌ، وسبَقَ في كتابِ الزكاةِ (وَإِيثَارِ) بكسرِ الهمزة، مجرورٌ عطفاً على: ((الدليلِ))، وهو مصدرُ: آثرَ الشيءَ _بالمد_؛ أي: قدَّمَه على غيرِه؛ أي: ولإيثارِ (النَّبِيِّ صلعم أَهْلَ الصُّفَّةِ) بنصبِ: ((أهلَ)) بـ((إيثارِ))، و((الصُّفَّةِ)) بضمِّ الصَّاد المهملةِ وتشديد الفاء.
          قال في ((القاموس)): صُفَّةُ الدارِ والقومِ معروفةٌ، وتُجمَعُ على: صُنَفٍ؛ كصُرَدٍ، وقال فيه أيضاً: هي موضِعٌ مظلَّلٌ من مسجدِه عليه السلامُ، كان أهلُ الصُّفَّةِ يبيتونَ فيه، وهم أضيافُ الإسلامِ، انتهى ملخَّصاً.
          وليس لهم عددٌ مخصوصٌ، بل كانوا يقِلُّون تارةً ويكثُرون أخرى.
          (وَالأَرَامِلَ) عطفٌ على: ((أهلَ))، جمعُ: أرمَلَ للمذكَّرِ، وهو الذي لا زوجةَ له، وأرملةٌ للمؤنَّثِ، وهي التي لا زوجَ لها، سواءٌ كانت فقيرةً أو موسِرةً. وقال الأزهريُّ: لا يقالُ لها أرملةٌ إلا إذا كانت فقيرةً، كذا في ((المصباح)).
          وجرى عليه في ((القاموس))، وتطلَقُ الأراملُ على المساكينِ رجالاً كانوا أو نساءً، كما في ((المصباح))، وبذلك فسَّرهم الشُّراحُ هنا.
          (حِينَ سَأَلَتْهُ) أي: النبيَّ عليه السلامُ، و((حين)) متعلِّقٌ بـ((إيثارِ)) (فَاطِمَةُ) أي: ابنتُه الزهراءُ، وهي أحبُّ أولادِه إليه، وكُنيتُها: أمُّ أبيها، كما نقلَ المناويُّ في ((إتحاف السائل)) عن ابنِ المدينيِّ (وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ) أي: شدَّةَ ما تُقاسيه منه، وهو مصدرُ: طحَنَ الدَّقيقَ، من بابِ: مَنَعَ، وللكُشمهَينيِّ: <الطَّحينَ> بكسرِ الحاء المهملةِ وزيادة مثناة تحتيَّة ساكنة. وجملةُ: ((شكَتْ)) معطوفةٌ على: ((سألَتْه)) أو حاليةٌ.
          (وَالرَّحَى) بفتحِ الحاءِ المهملةِ، عطفٌ على: ((الطحنَ))؛ أي: وشكَتْ إليه مُقالَبةَ الرَّحى (أَنْ يُخْدِمَهَا) بفتحِ همزة: ((أن)) وضم ياء: ((يُخدِمَها))؛ أي: وشكَتْ إليه ما ذُكرَ لأجلِ أن يُخدِمَها؛ أي: يعطيَها خادماً (مِنَ السَّبْيِ) أي: الذي حضرَ عنده، كذا قيل، وجعلَ الشرَّاحُ: ((أن يُخدِمَها)) في محلِّ المفعولِ الثاني لـ((سألَتْه))، / وعلى القيلِ؛ فالمفعولُ الثاني محذوفٌ لدلالةِ ما ذُكرَ عليه.
          (فَوَكَلَهَا) بتخفيف الكاف؛ أي: فوَكلَ النبيُّ عليه السلام فاطمةَ؛ أي: فوَّضَ أمرَها (إِلَى اللَّهِ) أي: فلم يُعطِها خادماً، وفوَّضَ أمرَها إلى مولاها.