الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله

          3092- 3093- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: الأُويسيُّ العامريُّ، قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ): بفتحِ السِّين وسكونِ العينِ المهملتين؛ أي: ابنِ إبراهيمَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ (عَنْ صَالِحٍ): أي: ابنِ كَيسانَ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): أي: محمَّدِ بنِ مسلمٍ الزُّهريِّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي): بالإفراد (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ): أي: ابنِ العوامِ (أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ ♦ أَخْبَرَتْهُ): بسكونِ التاء (أَنَّ فَاطِمَةَ ♦ ابْنَةَ): ولأبي ذرٍّ: <بنتَ> (رَسُولِ اللَّهِ صلعم سَأَلَتْ): بسكونِ التاء؛ أي: فاطمةُ، وسيأتي في الفرائضِ من روايةِ مَعمَرٍ عن الزُّهريِّ بلفظِ: ((أنَّ فاطِمةَ والعباسَ أتَيا)) (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ☺ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم): أي: طالبَت فاطمةُ أبا بكرٍ (أَنْ يَقْسِمَ): بفتحِ التحتيَّة أوَّله وكسر السِّين (لَهَا مِيرَاثَهَا): تسميتُه ميراثاً بحسَبِ الظنِّ.
          وقوله: (مَا تَرَكَ): أي: تركَه، بدلٌ من: ((ميراثَها))، أو عطفُ بيانٍ عليه، وهو مفعولُ: ((يقسِمَ)) ولابنِ عساكرَ وأبي ذرٍّ عن الكُشميهَنيِّ: <مما ترَكَ> (رَسُولُ اللَّهِ صلعم): فـ<مِن> بيانيةٌ؛ كقولِه: (مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ): وجعَلَه شيخُ الإسلامِ متعلِّقاً بـ((يقسمَ))، و((أفاءَ)) بالفاء والمد، من: الفيءِ؛ وهو: ما يحصلُ من أموالِ الكفَّارِ غلَبةً عليهم من / غيرِ قتالٍ ولا إيجافِ خيلٍ أو نحوِها؛ كجِزْيةٍ، وما هرَبُوا عنه أو صولِحُوا عليه، وسُمِّيَ فَيئاً لرجوعِه إلينا منهم.
          وأما الغنيمةُ؛ فهو: ما يؤخَذُ منهم بقتالٍ منا أو إيجافٍ، وكذا ما أُخذَ من دارِهم سرقةً أو اختِلاساً أو لُقَطةً، وسمِّيت بذلك لأنَّها فضلٌ وفائدةٌ، ولم تحِلَّ الغنيمةُ إلا لهذه الأمةِ، وكانت في ابتداءِ الإسلامِ لنبيِّنا عليه الصلاةُ والسلامُ خاصَّةً، يفعَلُ بها ما يُريدُه، وعليه يُحمَلُ إعطاؤه عليه السلامُ مَن لم يشهَدْ بدراً، ثم نُسخَ بعد ذلك فخمَّسَها عليه السلامُ كالفَيءِ لآيةِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] الآيةَ.
          والمشهورُ تغايرُ الفَيءِ والغنيمةِ، وقيل: يطلَقُ كلٌّ منهما على الآخرِ إذا أُفردَ؛ كالفقيرِ والمسكينِ، وقيل: الفَيءُ يُطلَقُ على الغنيمةِ دونَ العكسِ، وقد كان عليه السلامُ يخمِّسُ الفَيءَ خمسةَ أخماسٍ لآيةِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6]، ويقسِمُ خمُسَه على خمسةِ أسهُمٍ، فالقِسمةُ من خمسةٍ وعشرين سَهْماً، منها سهمٌ له عليه الصلاةُ والسلامُ، كان يُنفِقُ منه على مصالِحِه، وما فضَلَ منه يصرِفُه في السلاحِ وسائرِ المصالحِ.
          وأما بعد وفاتِه عليه السلامُ، فمصرِفُ هذا السَّهمِ المصالحُ العامَّةُ؛ كسدِّ الثُّغورِ، وعمارةِ الحصونِ والقناطِرِ، وأرزاقِ القُضاةِ والأئمةِ، والسهمُ الثاني لذوي القُربى من بني هاشمٍ وبني المطَّلِبِ، والثالثُ لليتامى الفقراءِ، والرابعُ والخامسُ للمساكينِ وابنِ السبيلِ.
          وأما الأربعةُ أخماسٍ؛ فهي للمُرتَزِقةِ؛ وهم: المرصَدونَ للجهادِ بتعيينِ الإمامِ، وكانت للنبيِّ صلعم في حياتِه مضمومةً إلى خُمسِ الخُمسِ، فجملةُ ما كان له من الفيءِ أحدٌ وعشرون سهماً، سهمٌ منها للمصَالحِ، كما مرَّ.
          والمرادُ أنَّه كان يجوزُ له أن يأخُذَ ذلك، لكنَّه لم يأخُذْه، وإنما كان يأخُذُ خُمسُ الخُمسِ، كما مر، وأما الغنيمةُ؛ فلخُمُسِها حُكمُ الفيءِ، فيُخمِّسُ خمسةَ أسهمٍ للآيةِ، وأربعةُ أخماسِها للغانمين.
          وقال الجمهورُ: مصرِفُ الفيءِ كلِّه إلى رسولِ اللهِ صلعم يصرِفُه بحسَبِ المصلحةِ؛ لقولِ عمرَ الآتي، فكانَتْ هذه خالصةً لرسُولِ الله صلعم.
          (فَقَالَ لَهَا): أي: لفَاطمةَ ♦ (أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ): وسيأتي في الفرائض بلفظِ: ((سمعْتُ رسولَ اللهِ صلعم يقولُ:)) (لاَ نُورَثُ): قال في ((الفتح)): وهو يرُدُّ تأويلَ الدَّاوديِّ الشارحِ في قولِه: إنَّ فاطمةَ حملَتْ كلامَ أبي بكرٍ على أنَّه لم يسمَعْ ذلك من رسولِ اللهِ صلعم، وإنما سمِعَه من غيرِه، ولذلك غضِبَتْ، قال: وما قدَّمتُه من التأويلِ أَولى، انتهى.
          وقال قبلَ ذلك ما نصُّه: وفي هذه القصَّةِ ردٌّ على مَن قرأ قولَه: ((لا نورث)) بالتَّحتيةِ أولَه، ((صدقة)) بالنَّصبِ على الحالِ، وهي دعوى من بعضِ الرَّافضةِ، فادَّعى أنَّ الصوابَ في قراءةِ هذا الحديثِ هكذا.
          والذي تواردَ عليه أهلُ الحديثِ في القديمِ والحديثِ: ((لا نورَثُ)) بالنون، و((صدقةٌ)) بالرفعِ، وأنَّ الكلامَ جملتانِ، و((ما ترَكْنا)) في موضعِ الرفعِ بالابتداءِ، و((صدقةٌ)) خبرُه.
          ويؤيدُّه ورودُه في بعضِ طُرقِ الصَّحيحِ: ((ما ترَكْنا فهو صدقةٌ))، قال: وقد احتَجَّ بعضُ المحدِّثين على بعضِ الإماميةِ بأنَّ أبا بكرٍ احتَجَّ بهذا الكلامِ على فاطمةَ ☻ فيما التمسَتْ من الذي خلَّفَه رسولُ الله صلعم / من الأراضي، وهما من أفصحِ الفُصحاءِ وأعلمِهم بمدلولاتِ الألفاظِ، ولو كان كما يقرأُه الرافضيُّ، لم يكُنْ فيما احتَجَّ به أبو بكرٍ حُجَّةٌ، ولا كان جواباً مُطابِقاً لسؤالِها ولاعتقادِها تأويلَ الحديثِ على خلافِ ما تمسَّكَ به أبو بكرٍ، وكأنها اعتقدَت تخصيصَ العمومِ في قولِه: ((لا نورَثُ))، ورأت أنَّ منافعَ ما خلَّفَه من أرضٍ وعَقارٍ لا يمتنِعُ أن يورَثَ عنه، وتمسَّكَ أبو بكرٍ بالعموم، واختلفا في أمرٍ محتمِلٍ للتأويلِ، فلمَّا صمَّمَ على ذلك انقطعَت عن الاجتِماعِ به لذلك.
          فإن ثبَتَ حديثُ الشعبيِّ أزالَ الإشكالَ، وأخلقُ بالأمرِ أن يكونَ كذلك؛ لِما عُلمَ من وفورِ عقلِها ودينِها، قال: ووقعَ في حديثِ أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ عند التِّرمذيِّ قال: جاءت فاطمةُ إلى أبي بكرٍ، فقالت: مَن يرِثُك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرِثُ أبي؟! قال: أبو بكرٍ: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقولُ: ((لا نورَثُ))، ولكني أعُولُ مَن كانَ رسولُ اللهِ صلعم يعولُه، انتهى.
          وهذا واضحٌ لمَنْ أنصَفَ، انتهى، فاعرفْهُ.
          تنبيه: ((لا نُوْرَثُ)) بضمِّ النونِ وسكونِ الواو وفتح الراء؛ أي: لا يرِثُنا _معاشِرَ الأنبياءِ_ أحدٌ من أقاربِنا.
          ويؤيدُه روايةُ النَّسائيِّ من حديثِ الزُّبيرِ: ((إنا معاشِرَ الأنبياءِ))، وقال القُرطبيُّ: جميعُ الرواةِ لهذه اللفظةِ يقولونَها بالنونِ؛ يعني: جماعةَ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، كما في الروايةِ الأخرى: ((نحنُ _مَعاشِرَ الأنبياءِ_ لا نورَثُ)).
          وقال البرماويُّ تَبعاً للكرمانيِّ: ((لا نورَثُ)) بفتحِ الراء، والمعنى على الكسرِ؛ أي: مع التشديدِ صحيحٌ أيضاً، انتهى.
          أي: مع تشديدِ الراءِ وبفتحِ الواوِ، وحكمةُ ذلك أنَّه لا يؤمَنُ أن يتَمنَّى وارثٌ موتَهم فيهلِكَ، أو حتى لا يُظَنَّ بهم الرَّغبةُ في الدنيا فتَنفِرَ الناسُ عنهم، أو لأنهم كالآباءِ للأممِ؛ فمالُهم لكلِّ أولادِهم، وهو معنى الصدقةِ في قولِه:
          (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ): برفعِ: ((صدقةٌ)) خبرِ: ((ما)) الموصولةِ، و((ترَكْنا)) صِلتُها، والعائدُ محذوفٌ؛ أي: ترَكناه، والكلامُ على هذا جملتانِ؛ فعليَّةٌ؛ وهي: ((لا نورَثُ))، واسميةٌ؛ وهي: ((ما ترَكْنا صدقةٌ)).
          ويؤيِّدُه كما مرَّ في ((الفتحِ)) وأوردَه في بعضِ طُرقِ ((الصَّحيحِ)) _يعني: البخاريَّ_، فقد رأيتُه هنا في نسخةٍ صحيحةٍ: <ما ترَكْنَا فهو صدقةٌ> وحرَّفَه الإماميةُ، فقالوا: لا يورَثُ _بالمثنَّاة التحتية بدل النونِ_، و((صدقة)) نصبٌ على الحالِ، و((ما ترَكْنا)) مفعولٌ لِما لم يُسمَّ فاعلُه، فجعلُوا الكلامَ جملةً واحدةً، ويكونُ المعنى: إنَّ ما يُترَكُ صدقةً لا يورَثُ، وهذا تحريفٌ يخرِجُ الكلامَ عن نمطِ الاختِصاصِ الذي دلَّ قولُه عليه السلامُ في بعضِ الطُّرقِ: ((نحنُ _مَعاشِرَ الأنبياءِ_ لا نورَثُ))، ويعودُ الكلامُ بما حرَّفوه إلى أمرٍ لا يختَصُّ به الأنبياءُ؛ لأنَّ آحادَ الأمَّةِ إذا وقَفُوا أموالَهم وجعَلُوها صدَقةً، انقطَعَ حقُّ الورَثةِ عنها، فهذا من تَحامُلِهم أو تجاهُلِهم.
          وقد أوردَه بعضُ أكابرِ الإماميةِ على القاضي شاذانَ صاحبِ القاضي أبي الطيِّبِ، فقال _وكان ضعيفَ العربيةِ قوياً في علمِ الخلافِ_: لا أعرِفُ نصبَ: ((صدقة)) من رَفعِها، ولا أحتاجُ إلى عملِه، فإنه لا خفاءَ بي ولا بك أنَّ فاطمةَ وعلياً من أفصحِ العربِ، لا تبلُغُ أنتَ وأمثالُكَ إلى ذلك منهما، فلو كانت لهمَا حجَّةٌ فيما لحظتهَ لَأَرَياها حينئذٍ لأبي بكرٍ، فسكتَ ولم يُحرِ جواباً.
          وإنما فعلَ الإماميةُ ذلك لِما يُلزِمُهم على روايةِ / الجمهورِ من فَسادِ مذهبِهم؛ لأنهم يقولون: إنه صلعم يورَثُ، كما يورَثُ غيرُه من عمومِ المسلمين؛ لعمومِ الآيةِ الكريمةِ، وذهبَ النَّحاسُ إلى أنه يصِحُّ النصبُ على الحالِ، وأنكرَه القاضي؛ لتأييدِه مذهبَ الإماميةِ، لكن قدَّرَه ابنُ مالكٍ: ما تركناه متروكٌ، أو مبذولٌ صدقةً، فحذفَ الخبرَ، وبقيَ الحالُ كالعوضِ منه، ونظيرُه قراءةُ بعضِهم: ▬ونحن عصبةً↨.
          وقوله: (فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ): أي: على أبي بكرٍ، متفرِّعٌ على ما قبلَه من الكلامِ (بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَهَجَرَتْ): بفتحات (أَبَا بَكْرٍ): أي: لاعتقَادِها أنه منَعَها حقَّها، حاشاه من ذلك (فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ): بضمِّ الميمِ وكسر الجيم وفتح الراء، خبرُ: ((لم تزَلْ)) (حَتَّى تُوُفِّيَتْ): بتشديدِ الفاء مبنياً للمفعولِ (وَعَاشَتْ): أي: فاطمةُ (بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم سِتَّةَ أَشْهُرٍ): هذا هو الصحيحُ، وقيل: ثمانيةَ أشهرٍ، وقيل غيرُ ذلك، وفي روايةِ معمَرٍ: ((فهجَرَتْه فاطمةُ، فلم تكلِّمْه حتى ماتت))، ووقعَ عند عمرَ بنِ شَبَّةَ من وجهٍ آخرَ عن مَعمَرٍ: ((فلم تُكلِّمْه في ذلك المالِ)).
          ولذا نقَلَ التِّرمذيُّ عن بعضِ مشايخِه أنَّ معنى قولِ فاطمةَ لأبي بكرٍ وعمرَ: لا أكلِّمُكما؛ أي: في هذا الميراثِ، وتُعقِّبَ بأنَّ قرينةَ قولِه: ((غضِبت)) يدُلُّ على أنها امتنعَتْ من الكلامِ جملةً، وكذا صريحُ الهجرِ، قاله في ((الفتح)).
          وقال الكرمانيُّ: وأما غضبُ فاطمةَ، فهو أمرٌ حصلَ على مقتَضى البشريةِ، وسكَنَ بعدَ ذلك، أو الحديثُ كان متأوَّلاً عندها بما فضَلَ عن مَعاشِ الورَثةِ وضروراتِهم ونحوِها، أو المرادُ أنَّ فاطمةَ حملَتْ حديثَ: ((لا نورَثُ)) على الأموالِ التي لها وقعٌ، وأما مَعاشُ الورَثةِ من طعامٍ وأثاثٍ وسلاحٍ، فيورَثُ عنه، وردَّه عياضٌ بأنَّ هذا التأويلَ قولُها ممَّا أفاءَ الله عليه، فافهم.
          وأما هجرانُها، فمعناه: انقِباضُها عن لقائه، لا الهجرانَ المحرَّمَ من تركِ السلامِ ونحوِه، ولفظُ: ((مُهاجِرَتَه)) بصيغةِ اسمِ الفاعلِ، لا المصدرِ، انتهى.
          ولعلَّ فاطمةَ ♦ لمَّا خرجَتْ غضبَى من عندِ أبي بكرٍ، تمادَتْ في اشتغالِها بشأنِها، ثم بمرضِها، والهجرانُ المحرَّمُ إنما هو أن يلتَقيا، فيُعرِضَ هذا وهذا، وأمَّا ما أخرجه أحمدُ وأبو داودَ من طريقِ أبي الطُّفيلِ قال: أرسلَتْ فاطمةُ إلى أبي بكرٍ: أنتَ ورِثتَ رسولَ اللهِ صلعم أم أهلُه؟ قال: لا، بل أهله قالت: فأين سهمُ رسولِ الله؟ قال: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: ((إن اللهَ إذا أطعمَ نبياً طُعمةً ثم قبَضَه، جعَلَها للذي يقومُ من بعدِه))، فرأيتُ أن أرُدَّه على المسلمين، قالت: فأنت وما سمِعتَ، فلا يُعارِضُ ما في ((الصَّحيحِ)) من صريحِ الهُجرانِ، ولا يدلُّ على الرِّضى بذلك.
          ثم مع ذلك ففيه لفظةٌ مُنكَرةٌ؛ وهي: قولُ أبي بكرٍ: بل أهلُه، فإنه معارِضٌ للحديثِ الصحيحِ: ((لا نورَثُ)).
          نعم، روى البيهقيُّ من طريقِ الشعبيِّ أنَّ أبا بكرٍ عاد فاطمةَ، فقال لها عليٌّ: هذا أبو بكرٍ يستأذِنُ عليكِ، قالت: أتحبُّ أن آذَنَ له؟ قال: نعم، فأذِنَتْ له، فدخلَ عليها، فترضَّاها حتى رضيَتْ، وهو وإن كانَ مُرسَلاً، فإسنادُه إلى الشعبيِّ صحيحٌ، وبه يزولُ الإشكالُ في جوازِ تمادي فاطمةَ على هجرانِ أبي بكرٍ.
          وفي العينيِّ: عن الشعبيِّ أنَّ أبا بكرٍ قال لفاطمةَ: ما خيرٌ عيشُ حياةٍ أعيشُها وأنتِ عليَّ ساخطةٌ، فإن كانَ عندَكِ من رسولِ الله في ذلك عهدٌ، فأنتِ الصَّادقةُ / المصدَّقةُ المأمُونةُ على ما قلتِ، قال: فما قامَ أبو بكرٍ حتى رضيَتْ ورضيَ، انتهى.
          (قَالَتْ): أي: عائشةُ ♦ بالسند السَّابقِ، قال الكرمانيُّ ومَن تبِعَه: وفي بعضِها: <قال> أي: عروةُ، فحينئذٍ يكونُ مُرسَلاً؛ لأنه لم يلقَ فاطمةَ (وَكَانَتْ فَاطِمَةُ ♦ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ ☺ نَصِيبَهَا): أي: مقدارَ ما يخُصُّها لو ورِثَ عنه (مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم مِنْ خَيْبَرَ): بفتحِ الخاءِ المعجمةِ؛ أي: من سَهمِه من الخُمسِ الذي خصَّه من خيبرَ (وَفَدَكٍ): بفتحِ الفاء والدَّال المهملةِ وبالصرفِ للأكثرِ، وبالمنعِ منه لأبي ذرٍّ، بلدٌ بينها وبين المدينةِ ثلاثةُ مراحلَ.
          وقال في ((المصباح)): ((فَدَكٌ)) بفتحتين، بينها وبين مدينةِ النبيِّ صلعم يومان، وبينها وبين خيبرَ دونَ مرحَلةٍ، انتهى.
          وقال الكرمانيُّ ومَن تبعَه: مرحلَتان، وقيل: ثلاثٌ، وكانت له عليه الصلاةُ والسلامُ خاصَّةً.
          (وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ): بنصبِ: ((صدقتَه)) عطفاً على: ((نصيبَها)) وبالجرِّ، وهو أولى عطفاً على: ((ما تركَ)) وهي نخلُ بني النَّضيرِ التي في أيدي بني فاطمةَ الآنَ، وكانت قريبةً من المدينةِ، ووصيةُ مُخَيرِيْقَ التي أوصى بها يومَ أُحدٍ بعد إسلامِه، وكان يهوديًّا، وهو _بضمِّ الميمِ وفتحِ الخاء المعجمةِ فياء تصغير فراء مكسُورة فياء ساكنةٌ فقاف_.
          قال الذهبيُّ في ((التجريدِ)): مُخَيريقُ حَبرُ يهودٍ، وذكرَ السُّهيليُّ أنه أسلمَ، انتهى.
          ومثلُه في كلامِ البرهانِ الحلبيِّ فيما كتبَه على الشَّقاءِ، وقال نقلاً عن القاضِي عياضٍ: إنه أوصى للنبيِّ صلعم بسبعِ حوائطَ، انتهى. وكانت سبعَ حوائطَ في بني النضيرِ.
          وما أعطاه الأنصارُ من أرضِهم، وحقُّه من الفيءِ من أموالِ بني النَّضيرِ، وثُلثُ أرضِ وادي القُرى، أخذَه في الصُّلحِ حين صالَحَ اليهودَ، وحِصنانِ من حصونِ خيبرَ؛ الوَطيحُ والسَّلالمُ حين صالحَ اليهودَ، ونصفُ فَدَكٍ، وسهمُه من خُمسِ خيبرَ وما افتُتحَ فيها عَنوةً، وكانت مِلكاً لرسولِ الله صلعم لا يستأثرُ بها، بل يُنفِقُها على أهلِه والمسلمين.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): قولُه: و((كانت فاطمةُ...)) إلخ، هنا يؤيِّدُ ما تقدَّمَ من أنها لم تطلُبْ من جميعِ ما خلَّفَ، وإنما طلبَتْ شيئاً مخصوصاً، فأمَّا خيبرُ، ففي روايةِ معمَرٍ المذكورةِ، وسهمُه من خَيبرَ، وقد روى أبو داودَ بإسنادٍ صَحيحٍ إلى سهلِ بنِ أبي حثمةَ قال: ((قسَّمَ رسولُ اللهِ صلعم خَيبرَ نصفَين، نصفُها لنوائبِه وحاجتِه، ونصفُها بين المسلمين، قسَّمَها بينهم على ثمانيةَ عَشَرَ سهماً)).
          ورواه بمعناه من طُرقٍ أخرى عن بشيرِ بنِ يسارٍ مُرسَلاً ليس فيه سهلٌ، وأمَّا فَدَكٌ، فكان من شأنِها ما ذكَرَ أصحابُ المغازي قاطِبةً أنَّ أهلَ فَدَكٍ كانوا من يهودٍ، فلما فُتحَت خيبرُ أرسلَ أهلُ فَدَكٍ يطلبونَ من النبيِّ صلعم الأمانَ على أن يترُكوا البلدَ ويرحَلُوا.
          وروى أبو داودَ من طريقِ ابنِ إسحاقَ عن الزُّهريِّ وغيرِه قالوا: ((بقيَت بقيَّةٌ من خيبرَ تحصَّنُوا، فسألوا النبيَّ صلعم أن يحقِنَ دماءَهم ويسيِّرَهم، ففعلَ، فسمِعَ بذلك أهلُ فَدَكٍ، فنزلوا على مثلِ ذلك، وكانت لرسولِ الله صلعم خاصةً)) ولأبي داودَ أيضاً من طريقِ مَعمَرٍ عن ابنِ شهابٍ: ((صالحَ / النبيُّ صلعم أهلَ فَدَكٍ وقُرًى سَمَّاها وهو يُحاصِرُ قوماً آخرين)) يعني: بقيةَ أهلِ خَيبرَ.
          وأما صدقتُه بالمدينةِ، فروى أبو داودَ من طريقِ مَعمرٍ عن الزُّهريِّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ كعبِ بنِ مالكٍ، عن رجلٍ من أصحابِ النبيِّ صلعم، فذكرَ قصةَ بني النضيرِ، وقال في آخرِه: ((وكانت نخلُ بني النضيرِ لرسولِ الله صلعم خاصةً، أعطاها إياه، فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} الآيةَ، قال: فأعطى أكثرَها للمهاجرين، وبقيَ منها صدقةُ رسولِ اللهِ صلعم التي في أيدي بني فاطمةَ)).
          وروى عمرُ بنُ شَبَّةَ من طريقِ أبي عوفٍ عن الزُّهريِّ قال: كانت صدقةُ النبيِّ صلعم بالمدينةِ أموالاً لمُخَيرِيقَ _بالمعجمةِ والقاف مصغر_، وكان يهودياً من بقايا بني قَينُقاعَ نازلاً ببني النَّضيرِ، فشهِدَ أُحُداً، فقُتلَ به، فقالَ النبيُّ صلعم: ((مُخَيريقُ سابقُ يهودَ))، وأَوصى مُخَيريقُ بأموالِه للنبيِّ صلعم.
          ومن طريقِ الواقديِّ بسندِه عن عبدِ اللهِ بنِ كعبٍ قال: قال مُخَيريقُ: إن أُصِبتُ فأموالي لمحمدٍ يضَعُها حيثُ أراهَ اللهُ، فهي عامةُ صدقةِ رسولِ اللهِ صلعم، قال: وكانت أموالُ مُخَيريقَ في بني النضيرِ التي صارت بعده صلعم صدقةً.
          وقوله: (فَأَبَى): بفتحِ الموحَّدة؛ أي: فامتنَعَ (أَبُو بَكْرٍ ☺ عَلَيْهَا): أي: على فاطمةَ (وذَلِكَ): أي: ما سألَتْه من نصيبِها مما ذُكرَ، وهذه الجملةُ متفرِّعةٌ على ما قبلَها، وكان الظاهرُ: فيأبى؛ ليوافِقَ: ((تسألُ))، أو سألَتْ؛ ليوافِقَ: ((فأبى)).
          (وَقَالَ): أي: أبو بكرٍ، معطوفٌ على: ((فأبى)) وتحتمِلُ الحالَ (لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ): الجملةُ الأولى صفةُ: ((شيئاً)) (فَإِنِّي أَخْشَى): أي: أخافُ (إِنْ تَرَكْتُ): بكسرِ الهمزةِ (شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ): أي: أمرِ رسولِ الله (أَنْ أَزِيغَ): بفتحِ همزة أولِ كلٍّ من اللفظَين وكسر الزاي فتحتيَّة ساكنة فغين معجمة، من: الزَّيغِ، بمعنى: الميلِ عن الحقِّ إلى الضَّلالِ.
          (فَأَمَّا صَدَقَتُهُ): أي: رسولِ الله (بِالْمَدِينَةِ): وتقدَّمَ قريباً تفصيلُ صدقتِه، قال العينيُّ: وهذا من كلامِ عائشةَ ♦ (فَدَفَعَهَا عُمَرُ): أي: ابنُ الخطابِ ☺ (إِلَى عَلِيٍّ): أي: ابنِ أبي طالبٍ (وَعَبَّاسٍ): أي: ابنِ عبدِ المطلبِ؛ أي: لينتَفِعا بها لا على سبيلِ الإرثِ أو التملُّكِ، بل كما كان رسولُ الله صلعم يتصرَّفُ في ذلك.
          (فأَمَّا): بالفاء، ولأبي ذرٍّ: <وأمَّا> (خَيْبَرُ): أي: الذي يخُصُّ النبيَّ عليه السَّلامُ منها (وَفَدَكٌ): أي: نصفُها، أو كلُّها على ما مرَّ (فَأَمْسَكَهَما): أي: خيبرَ وفَدَكَ، وفي نُسَخٍ: <فأمسَكَها> باعتبارِ أنَّها صدقةٌ، أو الأموالَ، والجملةُ خبرُهما؛ أي: أبقَاهما (عُمَرُ): أي: ابنُ الخطَّابِ تحتَ يدِه، ولم يدفَعْهما لأحدٍ من أقاربِهِ.
          (وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلعم، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ): بفتحِ الفوقيَّة وسكونِ العين المهملةِ وبضمِّ الراء؛ أي: تنزِلُ به وتحصُلُ له (وَنَوَائِبِهِ): جمعُ: نائبةٍ _بالنونِ والموحَّدة_؛ وهي: الحوادثُ التي تصيبُ الشخصَ، وهي معطوفةٌ على: ((حقوقِه)) من عطفِ العامِّ.
          (وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ): بكسرِ اللام (الأَمْرَ): أي: أمرَ المسلمين بعده عليه السلامُ، يفعلُ بهما ما فيه المصلحةُ.
          قال في ((الفتح)): قولُه: ((وأما خيبرُ...)) إلخ، ظهرَ بهذا أنَّ صدقةَ النبيِّ صلعم تختصُّ بما كان من بني النَّضيرِ، وأمَّا سهمُه من خيبرَ وفَدَكَ، فكان حُكمُه إلى مَن يقومُ بالأمرِ بعده، وكان أبو بكرٍ يقدِّمُ نفقةَ نساءِ النبيِّ صلعم وغيرِها مما كان يصرِفُه عليه السلامُ، فيصرِفُ من مالِ خيبرَ وفَدَكٍ، وما فضَلَ من ذلك جعلَه في المصالح، وعملَ عمرُ بعده بذلك، فلمَّا كان عثمانُ تصرَّفَ في فَدَكَ بحسَبِ ما رآه، فأقطَعَ فدَكَ لمروانَ؛ لأنَّه تأوَّلَ أنَّ الذي يختصُّ بالنبيِّ عليه السلامُ يكونُ الخليفةَ بعده، واستغنى عنها عثمانُ بأموالِه، فوصلَ بها بعضَ قرابتِه.
          وروى أبو داودَ من طريق مُغيرةَ بنِ مِقسَمٍ، قال: جمعَ / عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ حين استِخلافِه بني مروانَ، فقال: إنَّ رسولَ الله صلعم كان ينفِقُ من فَدَكَ على بني هاشمٍ ويزوِّجُ أيِّمَهم، وإنَّ فاطمةَ سألَتْه أن يجعَلَها لها، فأبى، وكانت كذلك في حياةِ النبيِّ صلعم وأبي بكرٍ وعمرَ، ثم أقطعَها عثمانُ مروانَ، فجعلَ مروانُ ثُلُثَيها لعبدِ الملكِ، وثلُثَها لعبدِ العزيزِ، وجعلَ عبدُ الملكِ ثلُثَيه للوليدِ وسليمانَ على النصفِ بينَهما، وجعلَ عبدُ العزيزِ ثُلثَه لعمرَ ولدِه، فلمَّا وليَ الوليدُ جعَلَ نصيبَه لعمرَ أيضاً، ثم صارت لعمرَ، فقال: رأيتُ أمراً منعَه رسولُ اللهِ فاطمةَ ليس لها بحقٍّ، وإني أُشهِدُكم أنِّي ردَدتُها على ما كانت عليه زمنَ النبيِّ عليه السلامُ.
          قال أبو داودَ: وليَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ الخلافةَ وعليه أربعون ألفَ دينارٍ، وتوفِّيَ وعليه أربعُمِائةٍ، ولو بقيَ لَكانَ أقلَّ، انتهى.
          ثم قال في ((الفتح)): ويشهدُ لصنيعِ أبي بكرٍ حديثُ أبي هريرةَ المرفوعُ الآتي بعد بابٍ بلفظِ: ((ما تركتُ بعد نفَقةِ نسائي ومُؤنةِ عامِلي فهو صدقةٌ)) فقد عمِلَ أبو بكرٍ وعمرُ بتفصيلِ ذلك بالدليلِ الذي قامَ لهما، انتهى.
          وفي العينيِّ: قال القرطبيُّ: لمَّا وليَ عليٌّ ☺ لم يغيِّرْ هذه الصدقةَ عما كانت في أيامِ الشيخَينِ، ثم كانت بعده بيدِ الحسَنِ، ثم بيدِ الحُسينِ، ثم بيدِ عليِّ بنِ الحُسينِ، ثم بيدِ الحسَنِ بنِ الحسَنِ، ثم بيدِ زيدِ بنِ الحسَنِ، ثم بيدِ عبدِ اللهِ بنِ حسَنٍ، ثم وليَها بنو العبَّاسِ على ما ذكرَه البَرقانيُّ في ((صحيحِه))، ولم يرِدْ عن أحدٍ من هؤلاء أنه تملَّكَها ولا ورَّثَها ولا وُرثَت عنه، فلو كان ما يقولُه الشيعةُ حقاً، لَأخذَها عليٌّ ☺ أو أحدٌ من أهلِ بيتِه لمَّا ولُوها.
          وقال في ((الفتح)): وكانت هذه الصدقةُ بيدِ عليٍّ، منعَها عباساً وغلبَه عليها، ثم كانت بيدِ الحسَنِ إلى آخرِ ما تقدَّمَ، ثم قال: وروى عبدُ الرزَّاقِ عن معمَرٍ عن الزُّهريِّ مثلَه، وزادَ في آخرِه: قال معمَرٌ: ثم كانت بيدِ عبدِ اللهِ بنِ حسَنٍ حتى وليَ بنو العبَّاسِ، فقبَضُوها.
          وزاد إسماعيلُ القاضي أنَّ إعراضَ العبَّاسِ عنها كان في خلافةِ عثمانَ.
          وقال عمرُ بنُ شَبَّةَ: سمِعتُ أبا غسَّانَ يقولُ: إنَّ الصدقةَ المذكورةَ اليومَ في يدِ الخليفةِ، تُكتَبُ في عهدِه، يولِّي عليها مَن يقسِّمُها ويفرِّقُها في أهلِ الحاجةِ من أهلِ المدينةِ، واستمرَّ ذلك إلى رأسِ المائتَينِ، ثم تغيَّرتِ الأمورُ، انتهى.
          (قَالَ) أي: الزُّهريُّ حين حدَّثَ بهذا الحديثِ (فَهُمَا) أي: خيبرُ وفَدَكُ (عَلَى ذَلِكَ) أي: صدقةٌ يتصرَّفُ فيهما مَن وَليَ الأمرَ.
          (إِلَى الْيَوْمِ) أي: وقتِ تحديثِ الزُّهريِّ هذا الحديثَ.
          (قالَ أبو عبدِ اللهِ) أي: البخاريُّ مفسِّراً لقولِه في هذا الحديثِ: ((تعرُوه)) بما في قولِه تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ} (افتعلت): قال في ((الفتح)): كذا فيه، ولعلَّه كان: افتعَلَكَ، وكذا وقعَ في ((المَجازِ)) لأبي عُبيدةَ؛ أي: بوزنِ افتعلتَ؛ لأنه من بابِ الافتِعالِ، فقولُه: (مِن عرَوتُه، فأصَبتُه، ومنهُ: يَعرُوهُ واعتَرانِي) أرادَ به شرحَ قولِه: ((يعرُوه)) وبيَّنَ تصاريفَه، وأنَّ معناه الإصابةُ كيفَما تصرَّفَ، وأشارَ إلى قولِه تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود:54]، وهذه عادةُ البخاريِّ، يفسِّرُ اللفظةَ الغريبةَ من الحديثِ بتفسيرِ اللَّفظةِ الغريبةِ من القرآنِ، وسقطَ: <قال أبو عبد الله...> إلخ، لابنِ عساكرَ، وسيأتي حديثُ البابِ في المغازي أيضاً.
          (قصَّةُ فَدَكَ) كذا وقعت هذه الترجمةُ لأبي ذرٍّ في روايةِ الحمويِّ، وأسقطَها الباقون، وهو الأَولى؛ للاستِغناءِ عنها بما سبَقَ في الحديثِ المتقدِّمِ، كذا في القسطلانيِّ.
          وقال في ((المنحةِ)): وزاد في نسخةٍ هنا: ((قصَّةُ فَدَكَ))، وفي أخرى: <بابُ قصَّةِ فَدَكَ>، انتهى.