نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد

          ░12▒ (باب) بالتنوين (إِذَا جَامَعَ) الرجل امرأته أو أمته (ثُمَّ عَادَ) إلى جماعها مرَّة أخرى، وفي رواية الكشميهني: <ثمَّ عاود> من المعاودة.
          قال الحافظ العسقلاني: (وهو أعمُّ من يكون ليلة المجامعة أو غيرها).
          وتعقبه محمود العيني: (بأنَّ الجماع في غير ليلة جامع فيها لا يسمَّى عوداً عرفاً وعادةً، وجواب «إذا» محذوف تقديره إذا جامع ثمَّ عاد ما يكون حكمه هل يكفي الغسل الواحد أو لا)؟.
          (وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ) عطف على قوله: إذا جامع، وجوابٌ من محذوف أيضاً فيقدر مثل ذلك، وقد أجمع العلماء على أن الاغتسال بين الجماعين غير واجب، وإنما هو مستحبٌ.
          وممَّا يدلُّ عليه حديث أخرجه أبو داود والنَّسائي عن أبي رافع: أنَّ النَّبي صلعم طاف ذات يومٍ على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: ((هذا أزكى وأطيب وأطهر)). ولما روى أبو داود هذا الحديث قال: حديث أنس أصحُّ من هذا، وحديث أنس ☺ رواه أبو داود أيضاً عنه أنَّه قال: ((كان رسول الله صلعم طاف على نسائه في غسلٍ واحد))، ورواه الترمذي أيضاً وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
          وضعَّف ابن القطَّان حديث أبي رافع، وصححه ابن حزم، وعبارة أبي داود أيضاً تدلُّ على صحَّته، وأمَّا الوضوء بين الجماعين: فقد اختلفوا فيه فقال الجمهور: يستحبُّ، وقال أبو يوسف: لا يستحبُّ، وقال ابن حبيب المالكي وداود الظاهري: إنَّه واجبٌ، وقال ابن حزمٍ: وهو قول عطاء وإبراهيم وعكرمة والحسن وابن سيرين، واحتجُّوا بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلعم : ((إذا أتى أحدكم أهله ثمَّ أراد أن يعود فليتوضَّأ بينهما وضوءاً)) أخرجه مسلم من طريق حفصٍ، عن عاصم، عن أبي المتوكِّل، عنه.
          وحمل الجمهور الأمر بالوضوء على الندب والاستحباب، لا على الوجوب بما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة ♦ قالت: ((كان النبي صلعم يجامع ثمَّ يعود ولا يتوضَّأ)).
          وقال أبو عمر: ما أعلم أحداً من أهل العلم أوجبه إلَّا طائفة من أهل الظَّاهر، وما نسبه ابن حزمٍ من إيجاب الوضوء إلى الحسن وابن سيرين فيردُّه ما رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) قال: حدَّثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن: أنَّه كان لا يرى / بأساً أن يجامع الرَّجل امرأته، ثمَّ يعود قبل أن يتوضَّأ، قال: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأساً، إنّما قيل ذلك ؛ لأنه أحرى أن يعود.
          ونقل عن ابن إسحاق بن راهويه: أنَّه حمل الوضوء المذكور على الوضوء اللغوي حيث نقل ابن المنذر عنه أنَّه قال: لا بدَّ من غسل الفرج إذا أراد العود، وردَّه ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة، عن عاصمٍ في الحديث المذكور: ((فليتوضَّأ وضوءه للصَّلاة))، وفي لفظ عنده: ((فهو أنشط للعود)).