نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الغسل بالصاع ونحوه

          ░3▒ (باب الْغُسْلِ بِالصَّاعِ) أي: بالماء الذي يملأ الصاع ؛ لأن الصاع اسم للإناء، فلا يتصور به الغسل (وَنَحْوِهِ) أي: وما يقاربه من الأواني التي يسع فيها ما يسع في الصاع.
          قال الجوهري: (الصاع: الذي يكال به، وهو أربعة أمداد، والجمع: أصوع، وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة، والصواع: لغة فيه، ويقال: هو إناء يشرب به)، وقال ابن الأثير: (الصاع): مكيال يسع أربعة أمداد.
          والمد مختلف فيه فقيل: هو رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز، وقيل: هو رطلان، وبه أخذ إمامنا الأعظم أبو حنيفة ☼ ، وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثاً، أو ثمانية أرطال، والرطل على ما قاله الرافعي وغيره: مائة وثلاثون درهماً، ورجح النووي: أنه مائة وثمانية وعشرون درهماً، وأربعة أسباع درهم.
          وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال: (إنه كان في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع، ثمَّ زادوا فيه مثقالاً لإرادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين) قال: (والعمل على الأول ؛ لأنه هو الذي كان موجوداً وقت تقدير العلماء به).
          واحتج القائلون بأن الصاع ثمانية أرطال (1) بما روى الطحاوي بإسناد صحيح عن مجاهد قال: (دخلنا على عائشة ♦ فاستسقى بعضنا فأتي بعس _أي: قدح عظيم_ فقالت عائشة ♦: كان رسول الله صلعم يغتسل بمثله).
          قال مجاهد: فحزرته ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال، فثبتت الثمانية بهذا الحديث، فإنها متيقنة، والشك إنما هو فيما فوقها، وقد روى النسائي الثمانية عن مجاهد بلا شك، وأما قول الحافظ العسقلاني: أن الحرز لا يُعَارَضُ به التحديد. فقد قال محمود العيني فيه: إنَّه كيف يقول ذلك؟ ففي أيِّ موضع التحدي المعين ولم يظهر لي وجهه، وأما حديث عائشة ♦، / فالمذكور فيه الفرق الذي كان يغتسل منه النبي صلعم ، ولم يذكر فيه مقدار الماء الذي كان فيه، هل هو ملؤه أو أقل من ذلك، على أنه كما ترى فيه أقوال، والله أعلم بحقيقة الحال.


[1] في هامش الأصل: وقد رجع أبو يوسف القاضي إلى قول الحجازيين حين قدم المدينة، وأخرج إليه مالك صاعاً فقال: هذا صاع النبي صلعم فوجده خمسة أرطال وثلث، قيل: ولا شك أن أهل المدينة أعلم بمكيالهم ولا يجوز أن يخفى عليهم أمره، ويعلمه أهل العراق، وقد توارث أهل المدينة مقداره خلفاً عن سلف، هذا، فليتأمل. منه.