نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد

          ░17▒ (بابُ مَنْ قَالَ لِيُؤَذِّنْ) بالجزم بلامِ الأمر (فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ) وكأنَّه أشار بهذه التَّرجمة إلى أنَّ واحداً من المسافرين إذا أذَّن يكفي، ولا يحتاج إلى أذان البقيَّة.
          وقال الحافظ العسقلاني: وكأنَّه يشير إلى ما رواه عبد الرَّزَّاق بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ ابن عمر ☻ كان يؤذِّن للصُّبح في السَّفر أذانين، وذلك _والله أعلم_ لتخيُّل أنَّ الأذان الأوَّل لم يُقِم المسافرين كلهم.
          وهذا مُصيَّر من البخاري إلى التَّسوية بين الحضر والسَّفر، وظاهر حديث الباب أنَّ الأذان في السَّفر لا يتكرَّر سواء كان في الصَّبح أو غيرها؛ لأنَّه لم يفرِّق بين الصُّبح وغيرها، والتَّعليل الماضي في حديث ابن مسعود ☺ يؤيِّده.
          وعلى هذا فلا مفهوم لقوله: «مؤذِّن واحد في السَّفر»؛ لأنَّ الحضر أيضاً لا يؤذِّن فيه إلَّا واحد، ولو احتيج إلى تعدُّدهم لتباعد أقطار البلد أذَّن كلُّ واحد في جهة ولا يؤذِّنون جميعاً، وقد مرَّ ما قيل أنَّ أوَّل من أحدث التَّأذين جميعاً بنو أميَّة [خ¦617].
          وقال الشافعي في «الأم»: وأحبُّ أن يؤذِّن مؤذِّن بعد مؤذِّن، ولا يؤذِّنُ جماعةٌ معاً، وإن كان مسجدٌ كبيرٌ فلا بأس أن يؤذن في كلِّ جهة منه مؤذِّنٌ يُسْمِع من يليه في وقت واحد.