إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثمًا ليبر

          6626- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد(1)، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (إِسْحَاقُ _يَعْنِي: ابْنَ إِبْرَاهِيمَ_) وسقط لأبي ذرٍّ «يعني‼: ابن إبراهيم». وقال في «الفتح»: جزمَ أبو علي الغسَّانيُّ بأنَّه ابن منصور، وصنيعُ أبي نُعيم في «مستخرجه» يقتضي أنَّه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله. وقال العينيُّ: وأمَّا النُّسخة الَّتي فيها: ”يعني: ابن إبراهيم“ فما أزالت الإبهام؛ لأنَّ في مشايخ البخاريِّ: إسحاق بن إبراهيم بن نصر، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن، وإسحاق بن إبراهيم الصَّوَّاف، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن رَاهُوْيَه، فالصَّواب أنَّه ابن منصور، قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ) الوحاظيُّ؛ بتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء مشالة معجمة، وقد حدَّث عنه البخاريُّ بلا واسطةٍ في «كتاب الصلاة» [خ¦361] [خ¦419] [خ¦825] وبواسطة في «كتاب الحج» [خ¦1809] وغيره، قال: (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ) بن سلَّام _بتشديد اللام_ الحبشيُّ الأسود (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ، بالمثلَّثة (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابنِ عبَّاس (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ ، أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَنِ اسْتَلَجَّ) بسين مهملة ساكنة ففوقيَّة ثمَّ لام مفتوحتين ثمَّ جيم مشدَّدة، استفعل من اللَّجاج، أي: من استدام (فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ) حَلَفهُ في أمرٍ يتعلَّق بهم يضرُّهم به (فَهْوَ) أي: استدامتُه على اليمينِ مع تضرُّر أهله (أَعْظَمُ إِثْمًا) من حنثهِ (لِيَبَرَّ) بكسر اللام وفتح التحتية بعدها موحدة فراء مشدَّدة، واللَّام للأمر، بلفظ أمر الغائبِ، من البرِّ، أي: ليترك اللَّجاج، ويفعل المحلوفَ عليه ويبرَّ (يَعْنِي) بالبرِّ: (الكَفَّارَةَ) عن اليمين الَّذي حلفه، ويفعلُ المحلوفَ عليه؛ إذ الإضرارُ بالأهلِ أعظمُ إثمًا من حنثِ اليمين، وذِكْرُ الأهل في الحديثين خرجَ مخرج الغالبِ، وإلَّا فالحكمُ يتناولُ غير الأهل إذا وجدتِ العلَّة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لَيْسَ“ بفتح اللام وسكون التَّحتية بعدها سين مهملة ”تُغْنِي الكفَّارةُ“ بضمِّ الفوقيَّة وسكون الغين المعجمة بعدها نون مكسورةٌ، و«الكفَّارةُ» رفعٌ، أي: إنَّ الكفَّارة لا تُغني عن ذلك، وهو خلافُ المراد، فالأولى أوضح، وقيل في توجيهِ هذه الأخيرة: إنَّ المفضَّل عليه محذوفٌ، والمعنى: أنَّ الاستلجاجَ أعظمُ إثمًا من الحنثِ، والجملة استئنافيَّة، المراد: أنَّ ذلك الإثم لا تغني عنه كفَّارة، وقال ابنُ حزمٍ: لا جائزَ أن يُحملَ على اليمين الغموسِ؛ لأنَّ الحالفَ بها لا يُسمَّى مستلجًّا في أهلهِ، بل صورته(2) أنْ يحلف أن يُحسن إلى أهلهِ ولا يضرَّهم، ثمَّ يريد أن يحنثَ ويلجَّ في ذلك فيضرّهم ولا يحسنُ إليهم ويكفِّر عن يمينهِ، فهذا مستلجٌّ بيمينه في أهله آثمٌ، ومعنى قولهِ: ”لا تُغْني الكفَّارة“‼: أنَّ الكفَّارة لا تحبطُ عنه إثمَ إساءته إلى أهلهِ، ولو كانت واجبةً عليه، وإنَّما هي متعلِّقة باليمين الَّتي حلفها، قال ابنُ الجوزيِّ: قوله: ”ليس تُغْني الكفَّارة“ كأنَّه أشار به(3) إلى أنَّ إثمه في قصدهِ أنْ لا يبرَّ ولا يفعلَ(4) الخير، فلو كفَّر لم ترفعِ الكفَّارة سَبْق ذلك القصْدِ.


[1] «بالإفراد»: ليست في (د).
[2] في (د) و(ع): «على صورة».
[3] في (د) و(ص) و(ع): «فإنه أشار».
[4] في (د) و(ع): «في قصده لا تبرره بفعل».