إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه

          6623- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمَّد عارم بنُ الفضل قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أي: ابنُ درهم الأزديُّ الأزرق، أحدُ الأعلام (عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية، وفتح الجيم من جرير(1)، الأزديِّ البصريِّ من صغارِ التَّابعين (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بضم الموحدةِ، اسمُه الحارث أو عامر(2) (عَنْ أَبِيهِ) أبي موسى عبدِ الله بن قيسٍ الأشعريٍّ، أنَّه (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم فِي رَهْطٍ) رجالٍ دون العشرةِ (مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ) جمع: أشعرِيّ، نسبةً إلى الأشعر بن أُدَدَ بن يشجُب، وقيل له: الأشعر لأنَّ أمَّه ولدتْهُ أشعرَ (أَسْتَحْمِلُهُ) أي: أطلبُ منه ما يحملنَا من الإبل، ويحملُ أثقالنَا لأجلِ غزوةِ تبوك (فَقَالَ) صلعم : (وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، قَالَ) أبو موسى: (ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ) بضم الهمزة، أي: النَّبيُّ صلعم (بِثَلَاثِ ذَوْدٍ) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة، ما بين الثَّلاث إلى العشرة، وقال أبو عُبيد(3): هي من الإناث، فلذا قال: بثلاثِ ذودٍ، ولم يقلْ: بثلاثةِ ذودٍ (غُرِّ الذُّرَى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء، جمع: أغرّ، وهو الأبيضُ الحسن، و«الذُّرَى» بضم الذال المعجمة وفتح الراء، جمع: ذُِر♣وة _بالكسر والضم_ وذروة كلِّ شيءٍ أعلاهُ، والمراد هنا: الأسنمةُ (فَحَمَلَنَا) بفتح الفاء والحاء والميم واللام (عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا _أَوْ قَالَ بَعْضُنَا_: وَاللهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا) فيها (أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلعم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا) بفتح اللام (فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَنُذَكِّرُهُ) بضم النون وكسر الكاف مشددة(4)، بيمينهِ (فَأَتَيْنَاهُ) فذكَرنا له (فَقَالَ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ اللهُ) ╡ (حَمَلَكُمْ) أي: إنَّما أعطيتُكم من مالِ الله، أو بأمرِ الله؛ لأنَّه كان يُعطي بالوحي(5) / (وَإِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) منها(6) (أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي) أي: لا أحلفُ على موجبِ يمين(7)؛ لأنَّ اليمين موجبة(8)، والموجبُ هو الَّذي انعقدَ عليه الحلف، وخبر «إنَّ» جملة «لا أحلف»، وجواب القسم‼ محذوفٌ سدَّ مسدَّ خبر «إنَّ» ويحتملُ أن يكون «لا أحلفُ» جواب القسمِ، وخبر «إنَّ» القَسَمُ وجوابه، و«إنْ شاء الله» جملةٌ معترضةٌ لا محلَّ لها، وقدَّم استثناء المشيئةِ وكان موضعُه عقب جواب القسم(9)، وذلك أنَّ جوابَ القسم جاء بـ «لا» وعقبه الاستثناء بـ «إلَّا»، فلو تأخَّر استثناءُ(10) المشيئةِ حتَّى يجيء الكلام: والله لا أحلفُ على يمينٍ فأرى غيرَها خيرًا منها إلَّا أتيتُ الَّذي هو خيرٌ إن شاء الله؛ لاحتملَ أن يرجعَ إلى قولهِ: «أتيتُ» أو إلى قولهِ: «هو خيرٌ» فلمَّا قدَّمه انتفَى هذا التَّخيُّل(11)، وأيضًا ففِي تقدِيمه اهتمامٌ به؛ لأنَّه استثناءٌ مأمورٌ به شرعًا، وينبغِي أن يُبادر بالمأمورِ به، والتَّعليق بالمشيئةِ هنا الظَّاهر أنَّه للتبرُّك، وإلَّا فحقيقتُه ترفع القسمَ المقصود هنا؛ لتأكيدِ الحكم وتقريرِهِ، وهل يحكم على اليمينِ المقيَّدة بتعليقِ المشيئة إذا قصد بها التَّعليق أنَّها منعقدةٌ أو لم تنعقدْ أصلًا؟ فيه خلافٌ لأصحابنا. وقوله: «أو أتيتُ» إمَّا شكٌّ من الرَّاوي في تقدِيم «أتيتُ» على «كفَّرت» والعكس، وإمَّا تنويعٌ من الشَّارع صلعم إشارةً إلى جوازِ تقديم الكفَّارة على الحنثِ وتأخيرها.
          والحديث أخرجَه البخاريُّ أيضًا في «كفَّارات الأيمان» [خ¦6721] وسبق مطولًا في «كتاب الخمس» [خ¦3133]، وأخرجه مسلم في «الأيمان»، وكذا أبو داود والنَّسائيُّ، وأخرجه ابن ماجه في «الكفَّارات».


[1] في (س): «جيم جرير»، وفي (د): «الجيم جرير».
[2] في (د): «عارم».
[3] في (ع) و(د): «عبيدة».
[4] «مشددة»: ليست في (د).
[5] في (ع): «لا يعطي إلا بالوحي».
[6] «منها»: ليست في (د).
[7] «أي لا أحلف على موجب يمين»: ليست في (د).
[8] في (س): «توجبه».
[9] في (د): «وكان موضعها جواب القسم».
[10] «بإلا فلو تأخر استثناء»: ليست في (د).
[11] في (ص): «المتخيل».