إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة

          6622- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ‼) عارم السَّدوسيُّ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ) الأزديُّ قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ) البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ) بفتح السين المهملة والراء بينهما ميم مضمومة، ابنُ حبيب، وقيل: كان اسمُه عبد كلال، فغيَّره النَّبيُّ صلعم . قال البخاريُّ: له صحبةٌ، وكان إسلامُه يوم الفتحِ، وشهدَ غزوة تبوك، وافتتحَ سجستان وغيرها في خلافةِ عثمان، ثمَّ نزلَ البصرةَ، وليس له في البخاريِّ إلَّا هذا الحديث ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ) لي (النَّبِيُّ صلعم : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ) بكسر الهمزة / ، مصدر أمرَ، و«لا» ناهيةٌ، و«تسألْ» مجزومٌ بالنَّهي، و«الإمارةَ» مفعول به، والفاعلُ مستترٌ يعودُ على «عبد الرَّحمن» وكسرتِ اللام لالتقاءِ السَّاكنين، أي: لا تسألِ الولايةَ (فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا) الفاء للعطفِ(1) (عَنْ مَسْأَلَةٍ) وجواب الشَّرط قوله: (وُكِلْتَ إِلَيْهَا) بضم الواو وكسر الكاف وسكون اللام، يقال: وكَله إلى نفسهِ وَكْلًا ووكولًا، وهذا الأمر موكولٌ إليَّ، ومنه قول النَّابغة:
كِلِيْنِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِبِ                     وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ
أي: إنَّ الإمارةَ أمرٌ شاقٌّ لا يخرجُ عن(2) عهدتهَا إلَّا أفرادٌ(3) من الرِّجال، فلا تسألها عن تشوُّفِ نفسٍ، فإنَّك إن سألتَها تُرِكتَ معها فلا يُعينك الله عليها، وحينئذٍ فلا يكون فيهِ كفايةٌ لها، ومن كان هذا شأنُه لا يُولَّى (وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”وإنَّك إنْ أُوتيتها عن“ (غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) و«عن» يحتملُ أن تكون بمعنى الباء، أي: بمسألة، أي: بسببِ مسألةٍ، قال امرؤُ القيس:
تَصُدُّ وتُبْدِي عَن أَسِيلٍ وتَتَّقِي                     بنَاظِرَةٍ مِن وَحْشِ وَجَرْةِ مُطْفِلِ
أي: بأسيل (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى) محلوف (يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ظاهره تقديم التَّكفير على إتيانِ المحلوف عليه، والرِّواية السَّابقة [خ¦6622] تأخيره، ومذهبُ إمامنا الشَّافعيِّ ومالك والجمهور جوازُ التَّقديم على الحنثِ لكن يستحبُّ كونها(4) بعدَه، واستثنى الشَّافعيُّ التَّكفير بالصَّوم؛ لأنَّه عبادةٌ بدنيَّة فلا تقدَّم قبل وقتها كصومِ رمضان، واستثنى بعضُ أصحابه حنثَ المعصيةِ كأن حلفَ لا يَزني، لما في التَّقديم من الإعانةِ على المعصيةِ، والجمهور على الإجزاءِ؛ لأنَّ اليمين لا يحرِّم ولا يحلِّل، ومنعَ أبو حنيفة وأصحابه وأشهبُ من المالكيَّة التَّقديم. لنا قوله: «فكفِّرْ عن يمينِكَ وأتِ الَّذي هو خيرٌ».
          فإن قيل: الواو لا تدلُّ على التَّرتيب، أُجيب برواية أبي داود والنَّسائيِّ‼: «فكفِّر عن يمينِكَ، ثمَّ ائتِ الَّذي هو خيرٌ»، فإن قلتَ: ما مناسبة هذه الجملة للسَّابقة؟ أُجيب بأنَّ الممتنع من الإمارةِ قد يؤدِّي به الحال إلى الحلفِ على عدمِ القبولِ مع كونِ المصلحة في ولايتهِ.
          والحديث أخرجَه البخاريُّ أيضًا في «الأحكام» [خ¦7146] وفي «الكفَّارات» [خ¦6722]، ومسلم في «الأيمان»، وأبو داود في «الخَرَاج»، والتِّرمذيُّ في «الأيمان»، وأخرج النَّسائيُّ قصَّة الإمارة في «القضاءِ والسِّير»، وقصَّة اليمين في «الأيمان».


[1] قال الشيخ قطَّة ⌂ : لعلَّ الأولى أن يقول: للتعليل.
[2] في (ب): «من».
[3] في (د): «الإفراد».
[4] في (س): «كونه».