إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لن ينجي أحدًا منكم عمله

          6463- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بنُ أبي إياسٍ، واسمه: عبد الرَّحمن قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) محمَّد بن عبد الرَّحمن (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَنْ يُنَجِّيَ) بفتح النون وكسر الجيم المشددة، لن يخلصَ (أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ) فاعل / (قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ) بالغين المعجمة وبعد الميم دال مهملة، أي: أن(1) يسترنِي الله (بِرَحْمَةٍ) منه، والاستثناء منقطعٌ، ويحتملُ أن يكون متَّصلًا من قبيل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[الدخان:56] وقال الرَّافعيُّ في «أماليه»: كما كان أجرُ النَّبيِّ صلعم في الطَّاعة أعظمَ وعملُه في العبادةِ أقومَ، قيل له: ولا أنتَ؟! أي: لا يُنجيك عملكُ مع عِظم قدركَ؟! فقال: «لَا إلَّا برحمةِ الله» (سَدِّدُوا) بالسين المهملة المفتوحة وكسر الدال المهملة الأولى، اقصدوا السَّداد، أي: الصَّواب، ولمسلمٍ من روايةِ بسر(2) بن سعيدٍ، عن أبي هُريرة: ”ولكن سدِّدوا“ ومعنى الاستدراك أنَّه قد يفهمُ من النَّفي المذكور نفي فائدةِ العملِ، فكأنَّه قيل: بل له فائدةٌ، وهو أنَّ العمل علامةٌ على وجود الرَّحمة الَّتي تُدخِل الجنَّة، فاعملوا واقصدوا بعملكُم الصَّواب وهو اتِّباع السُّنَّة من الإخلاص وغيره؛ ليقبلَ عملُكم فتنزلَ عليكم الرَّحمة (وَقَارِبُوا) لا تفرِّطوا فتجهدُوا أنفسكُم في العبادةِ؛ لئلا يفضِي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العملَ (وَاغْدُوا) بالغين المعجمة الساكنة والدال المهملة، سيروا من(3) أوَّل النَّهار (وَرُوحُوا) سيروا من أوَّل النِّصف الثَّاني من النَّهار (وَشَيْءٌ) بالرَّفع في الفرعِ كأصله مصحَّحًا عليه، وقال في «الفتح»: ”وشيئًا“ بالنَّصب بفعلٍ محذوفٍ، أي: افعلوا شيئًا (مِنَ الدُّلْـَجَةِ) بضم الدال المهملة وسكون اللام وتفتح بعدها جيم، سير اللَّيل، يقال: سار دلجةً من اللَّيل، أي: ساعةً (وَالقَصْدَ القَصْدَ) بالنَّصب على الإغراءِ، أي: الزموا الطَّريق الوسط المعتدل (تَبْلُغُوا) المنزل الَّذي هو مقصدُكم، والقصد الثَّاني تأكيد، وقد شبَّه المتعبِّدين بالمسافرين؛ لأنَّ العابدَ كالمسافر إلى محلِّ إقامتهِ وهو الجنَّة، وكأنَّه قال: لا تستوعبُوا الأوقات كلّها بالسَّير بل اغتنمُوا أوقاتَ نشاطكُم وهو أوَّل النَّهار وآخره وبعض اللَّيل، وارحمُوا أنفسكُم فيما بينهما؛ لئلَّا ينقطعَ بكم. والحديثُ من أفراده.


[1] «أن»: ليست في (د).
[2] في (د): «بشر».
[3] في (د): «في».