إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عائشة: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأراد

          302- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذَرٍّ: ”أخبرنا“ (إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ) وللأَصيليِّ وابن عساكر: ”الخليل“ باللَّام لِلَمْح الصِّفة كالحارث والعبَّاس، الكوفيُّ الخزَّاز _بالخاء والزَّايين المُعجَمات(1) وأُولى الزَّايين مُشدَّدةٌ_ قال البخاريُّ: جاءنا نعيه سنة خمسٍ وعشرين ومئتين (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ) بضمِّ الميم وسكون السِّين المُهمَلة وكسر الهاء‼آخره راءٌ، القرشيُّ الكوفيُّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وثمانين ومئةٍ (قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) سليمان بن فيروزٍ التَّابعيُّ، المُتوفَّى سنة إحدى وأربعين ومئةٍ (هُوَ الشَّيْبَانِيُّ) بفتح الشِّين المُعجَمة، وإنَّما قال: «هو» لينبِّه على(2) أنَّه من قوله لا من قول الرَّاوي عن أبي إسحاق (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِبْنِ الأَسْوَدِ) التَّابعيِّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وتسعين (عَنْ أَبِيهِ) الأسود بن يزيد (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا) أي: إحدى زوجاته(3) ╕ (إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ) وللأَصيليِّ: ”النَّبيُّ“ ( صلعم أَنْ يُبَاشِرَهَا) بملاقاة البشرة للبشرة من غير جماعٍ (أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ) بتشديد المُثنَّاة الفوقيَّة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”أن تأتزر“ بهمزةٍ ساكنةٍ، وهي أفصح، وقال في «المصابيح»: على القياس (فِي فَوْرِ) بفتح الفاء، وسكون الواو، آخره راءٌ، أي:في ابتداء (حَيْضَتِهَا) قبل أن يطول زمنها، وفي «سنن أبي داود»: «فوح» بالحاء المُهمَلة (ثُمَّ يُبَاشِرُهَا) بملامسة بشرته لبشرتها (قَالَتْ) عائشة: (وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ) بكسر الهمزة وسكون الرَّاء ثمَّ مُوحَّدةٍ، ورواه أبو ذَرٍّ(4)_فيما حكاه في «اللَّامع»_بفتح الهمزة والرَّاء، وصوَّبه الخطَّابيُّ والنَّحَّاس، وعَزَاه ابن الأثير لرواية أكثر المحدِّثين، ومعناه: أضبطكم لشهوته أو عضوه الذي يستمتع به (كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَمْلِكُ إِرْبَهُ) فلا يُخشَى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، وكان(5) يباشر فوق الإزار؛ تشريعًا لغيره ممَّن ليس بمعصومٍ، وبه استدلَّ الجمهور على تحريم الاستمتاع بما بين سرَّتها وركبتها بوطءٍ أو(6) غيره، وفي «التِّرمذيِّ» وحسَّنه: أنَّه سُئِل عمَّا يحلُّ من الحائض فقال: «ما وراء الإزار»، وهو الجاري على قاعدة المالكيَّة في سدِّ الذَّرائع، وذهب كثيرٌ من العلماء إلى أنَّ الممنوع هو الوطء دون غيره، واختاره النَّوويُّ في «التَّحقيق» وغيره، وقال به(7) محمَّد بن الحسن من الحنفيَّة، ورجَّحه الطَّحاويُّ، واختاره أصبغ من المالكيَّة لخبر مسلمٍ: «اصنعوا كلَّ شيءٍ إلَّا النِّكاح»، فجعلوه مُخصِّصًا(8)لحديث التِّرمذي السَّابق، وحملوا الحديث(9)المذكور في(10) الباب وشبهه على الاستحباب جمعًا بين الأدلَّة، وعند أبي داود بإسنادٍ قويٍّ حديث: أنَّه ╕ كان إذا أراد من الحائض ألقى على فرجها ثوبًا، واستحسن في «المجموع» وجهًا ثالثًا: أنَّه إن وثق بترك الوطء لورعٍ أو قلَّة شهوةٍ جاز الاستمتاع، وإلَّا فلا، قال في «التَّحقيق» وغيره: فلو(11)وطىء عامدًا(12) عالمًا بالتَّحريم أو الحيضمختارًا فقد ارتكب كبيرةً فيتوب / ، والجديد: لا غرم(13)، ويُندَب ما أوجبه القديم، وهو دينارٌ، إن وطئ في قوَّة الدَّم، وإلَّا فنصفه، وأمَّا المُباشَرة فوق السُّرَّة وتحت الرُّكبة فجائزٌاتِّفاقًا، وهل يحلُّ الاستمتاع بالسُّرَّة والرُّكبة؟ قال في «المجموع»: لم أرَ فيه نقلًا، والمختار الجزم بالحلِّ، ويحتمل أن يخرج على الخلاف في كونهما(14) عورةً، قال في «المهمَّات»: وقد نصَّ في «الأمِّ» على الحلِّ في السُّرَّة.
          ورواة الحديث السِّتَّة إلى عائشة‼ كوفيُّون، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة، ورواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ عن تابعيٍّ(15) عن صحابيَّةٍ، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود وابن ماجه في «الطَّهارة».
          (تَابَعَهُ) أي: تابع عليَّ بن مُسْهِرٍ في رواية(16) هذا الحديث (خَالِدٌ) هو ابن عبد الله الواسطيُّ ممَّا وصله أبو القاسم التَّنوخيُّ في «فوائده» من طريق وهب بن بقيَّة(17) عنه (وَ) تابعه (جَرِيرٌ) هو ابن عبد الحميد ممَّا وصله أبو داود والإسماعيليُّ (عَنِ الشَّيْبَانِيِّ) أبي إسحاق المذكور، أي:عن عبد الرَّحمن إلى آخر الحديث.


[1] في (م): «المعجمتين»،وفي غير (ب) و(س) بعدها: «وأوَّل» بدل: «وأولى».
[2] في (م): «عن».
[3] في (م): «زوجات النَّبيِّ».
[4] في (ص) و(م) و(ج): «داود»، وهو خطأٌ.
[5] في (م): «حتَّى».
[6] في (ص) و(م): «و».
[7] «به»: سقط من (ص) و(م).
[8] في (م): «تخصُّصًا».
[9] في (ص): «حديث».
[10] «المذكور في»: مثبتٌ من (م).
[11] في (م): «فإن».
[12] زيد في (م): «أو».
[13] في (ص): «يحرم»، ولعلَّه تحريفٌ.
[14] في (ص) و(م): «كونها».
[15] «عن تابعيٍّ»: سقط من (د).
[16] في (م): «روايته».
[17] في (ب) و(د): «منبِّه»، وهو خطأ.