إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

          ░7▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (تَقْضِي) أي: تؤدِّي (الحَائِضُ) المتلبِّسة بالإحرام (المَنَاسِكَ كُلَّهَا) المتعلِّقة بالحجِّ أوِ العمرة كالتَّلبية (إِلَّا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ) لكونه(1) صلاةً مخصوصةً (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) النَّخعيُّ ممَّا(2) وصله الدَّارميُّ: (لَا بَأْسَ) أي: لا حرج (أَنْ تَقْرَأَ) الحائض (الآيَةَ) من القرآن، ورُوِي نحوُه عن مالكٍ والجوازُ مُطلَقًا والتَّخصيص بالحائض دون الجنب، ومذهبنا كالحنفيَّة والحنابلة التَّحريم، ولو بعض آيةٍ؛ لحديث التَّرمذيِّ: «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن» وهو حجَّةٌ على المالكيَّة في قولهم(3): إنَّها تقرأ القرآن ولا يقرأ الجنب، وعُلِّل بطول أمد(4) الحيض المستلزم نسيان القرآن بخلاف الجنب، وهو بإطلاقه يتناول‼الآية فما دونها، فيكون حجَّةً على النَّخعيِّ وعلى الطَّحاويِّ في إباحة(5) بعض الآية، لكنَّ الحديث ضعيفٌ من جميع طرقه، نعم يحلُّ له قراءة الفاتحة في الصَّلاة إذا فقد الطَّهورين، بل يجب كما صحَّحه النَّوويُّ لأنَّه نادرٌ، وصحَّح الرَّافعيُّ حرمتها لعجزه عنها شرعًا، وكذا تحلُّ أذكاره لا بقصد قراءة القرآن(6) كقوله عند الرُّكوب: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }[الزخرف:13] فإن قصد القرآن وحده أو مع الذِّكر حَرُم، وإن أطلق فلا، كما اقتضاه كلام «المنهاج» خلافًا لما في «المحرَّر»، وقال في «شرح(7) المُهذَّب»: أشار العراقيُّون إلى التَّحريم (وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (بِالقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِبَأْسًا) روى ابن المنذر بإسناده عنه: أنَّه كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنبٌ، فقِيلَ له في ذلك(8)، فقال: ما في جوفي أكثر منه (وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يَذْكُرُ اللَّهَ) بالقرآن وغيره (عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) أي: أزمانه فدخل فيه(9) حين الجنابة، وبه قال الطَّبريُّ وابن المنذر وداود، و(10)هذا التَّعليق وصله مسلمٌ من حديث عائشة.
          (وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ) ممَّا وصله المؤلِّف في «العيدين» [خ¦971] بلفظ: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ) بفتح المُثنَّاة التَّحتيَّة، يوم العيد(11) حتَّى تخرج البِكْر من خدرها وحتى تخرج(12)(الحُيَّضُ) بالرَّفع على الفاعليَّة، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكر: ”أن نُخْرِج“ بنونٍ مضمومةٍ وكسر الرَّاء «الحُيَّضَ» بالنَّصب على المفعوليَّة، فيكنَّ خلف النَّاس (فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ) بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”يدعين“ بمُثنَّاةٍ تحتيَّةٍ بدل الواو، وردَّها العينيُّ لمخالفتها لقواعد(13) التَّصريف لأنَّ هذه الصِّيغة مُعتلَّة اللَّام من ذوات الواو، يستوي فيها لفظ جماعة الذُّكور والإناث في الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التَّقدير يختلف، فوزن الجمع المُذكَّر«يفعون»، والمُؤنَّث«يَفْعُلْن»(14).
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا(15) وصله المؤلِّف في «بدء الوحي» [خ¦7]: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سُفْيَانَ) بن حربٍ (أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلعم ، فَقَرَأَهُ(16) فَإِذَا فِيهِ: ╖ )(وَ{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}) بزيادة الواوِ للقابسيِّ والنَّسفيِّ وعُبدوسٍ، وسقطت لأبي
           ذَرٍّوالأَصيليِّ ({ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ...} الاية[آل عمران:64]) استدلَّ به: على جواز القراءة للجنب لأنَّ الكفَّار جنبٌ، وإنَّما كتب لهم ليقرؤوه، وذلك يستلزم جواز القراءة بالنَّصِّ لا بالاستنباط، وأُجيببأنَّ الكتاب اشتمل على غير الآيتين، فهو كما لو ذُكِرَ بعض القرآن في التَّفسير، فإنَّه لا يُمنَع قراءته ولا مسُّه عند الجمهور لأنَّه لا يُقصَد منه التَّلاوة.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ (عَنْ جَابِرٍ) هو ابن عبد الله الأنصاريِّ ممَّا وصله المؤلِّف في «باب قوله ◙ :لو استقبلت من أمري ما استدبرت» من «كتاب الأحكام» [خ¦7367] أنَّه قال: (حَاضَتْ عَائِشَةُ) ♦ (فَنَسَكَتِ) بفتح النُّون، أي:أقامت (المَنَاسِكَ) المتعلِّقة بالحجِّ (كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ وَلَا تُصَلِّي) ولفظة: ”كلِّها“ ثابتةٌ عند الأَصيليِّ دون غيره(17) كما في الفرع.
          (وَقَالَ / الحَكَمُ) بفتح الحاء‼ المُهمَلة والكاف، ابن عُتَيْبَة _بضمِّ العين المُهمَلة وفتح المُثنَّاة الفوقيَّة والمُوحَّدة بينهما تحتيَّةٌ_ الكوفيُّ مما وصله البغويُّ في «الجعديات»: (إِنِّي لأَذْبَحُ) الذَّبيحة (وَأَنَا) أي: والحال أنِّي (جُنُبٌ وَ) الذَّبح يستلزم ذكر الله تعالى، و(قَالَ اللهُ ╡ : {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام:121]) إذِ المُراد به: «لا تذبحوا» بإجماع المفسِّرين، وظاهره تحريم متروك التَّسمية عمدًا أو نسيانًا، وإليه ذهب داود، وعن أحمد مثله، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ بخلافه لقوله ◙ : «ذبيحة المسلم حلالٌ وإن لم يذكر اسم الله عليها(18)»، وفرَّق أبو حنيفة بين العمد والنِّسيان وأوَّلوه بالميتة، أو بما ذُكِرَ غير اسم الله عليه، وقد نُوزِع في جميع ما استدلَّ به المؤلِّف ممَّا يطول ذكره.


[1] في (د) و(ص) و(ج): «لكونها».
[2] في (ب): «فيما».
[3] «في قولهم»: سقط من (د).
[4] في (ص) و(م): «أمر».
[5] في غير (ص) و(م): «إباحته».
[6] في غير (م): «قرآن».
[7] «شرح»: ليس في (م).
[8] «في ذلك»: سقط من (م).
[9] «فيه»: ليس في (ص).
[10] في (م): «أو».
[11] في (م): «العيدين».
[12] في غير (ص) و(م): «يخرج».
[13] في (م): «قواعد».
[14] في (ص): «يفعين»، وليس بصحيحٍ.
[15] في (ص): «فيما».
[16] في (س): «فقرأ».
[17] في (ج): «غيرها».
[18] في غير (ب) و(س): «عليه».