إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله سبحانه بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب

          3696- وبه(1) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثنا“ (أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ) بفتح الشِّين المعجمة وكسر الموحَّدة الأولى، الحَبَطيُّ بفتح الحاء المهملة والموحَّدة، البصريُّ المدنيُّ الأصل (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) شبيبٌ (عَنْ يُونُسَ) بنِ يزيدَ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) محمَّدُ بن مسلمٍ الزُّهريُّ: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ) بنُ الزُّبير (أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ) بضمِّ العين مصغَّرًا (بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التَّحتيَّة، النَّوفليَّ (أَخْبَرَهُ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ) بالغين المعجمة والمثلَّثة، القُرشيَّ المدنيَّ الزُّهريَّ (قَالَا) لعُبيد الله بن عَدِيِّ بن الخِيار: (مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ) أي: لأجل أخي عثمانَ لأُمِّه، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”في أخيه“ (الوَلِيدِ) بن عقبةَ بنِ أبي مُعَيط، وكان عثمانُ ولَّاه الكوفةَ بعد أن عَزَلَ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ، وكان عثمانُ ولَّاه الكوفة لمَّا وَلِيَ الخلافةَ بوصيَّةٍ من عمرَ، ثم عزلَه بالوليد سنة خمس وعشرين، وكان سببُ ذلك أنَّ سعدًا كان أميرها، وكان عبدُ الله بنُ مسعودٍ على بيت المال، فاقترض سعدٌ منه مالًا، فجاءه يتقاضاه فاختصما، فبلغ عثمانَ فغضب عليهما، فعَزَلَ سعدًا واستحضر الوليد، وكان عاملًا بالجزيرة على عربها، فولَّاه الكوفة، نقله في «الفتح» عن «تاريخ الطَّبري» (فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ) أي: في الوليد القولَ؛ لأنَّه صلَّى الصُّبح أربع ركعات، ثمَّ التفتَ إليهم وقال: أزيدُكم وكان سكران، أو الضَّمير يرجع(2) إلى عثمان، أي: أنكَروا على عثمانَ كونَه لم يَحُدَّ الوليد بن عُقبة، وعَزَلَ سعد بن أبي وقَّاص به مع كون سعدٍ أحدَ العشرة، واجتمع له من الفضل والسِّنِّ(3) والعلم والدِّين والسَّبق إلى الإسلام ما لم يتَّفق منه شيءٌ للوليد بن عقبة، قال عُبيد الله بن عديٍّ: (فَقَصَدْتُ‼ لِعُثْمَانَ حَتَّى) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”حين“ (خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ) له: (إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ) أي: الحاجةُ (نَصِيحَةٌ لَكَ) والواو للحال (قَالَ) أي: عثمانُ: (يَا أَيُّهَا المَرْءُ مِنْكَ) أي: أعوذُ بالله منك، وثبت: «منك» لأبي ذَرٍّ (قَالَ مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشدٍ البصريُّ فيما وصله في «هجرة الحبشة» [خ¦3872] (أُرَاهُ) بضمِّ الهمزة، أي: أظنُّه (قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ) فيه تصريحُ ما أُبهِمَ في قوله: «يا أيها المرء منك» وإنَّما استعاذ منه خشيةَ أن يكلِّمَه بما يقتضي الإنكار عليه فيضيق صدرُه بذلك قاله السفاقسيُّ، وسقط قوله: «أُراه قال(4)» لأبي ذرٍّ، قال(5) عبيد الله بنُ عَدِيٍّ: (فَانْصَرَفْتُ) من عند عثمان (فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا) إلى المِسْور وعبد الرَّحمن بن الأسود، وزاد في رواية معمر [خ¦3872] فحدَّثتُهما بالَّذي قلتُ لعثمان وقال لي، فقالا: قد قضيتَ الذي كان عليك، فبينا أنا جالسٌ معهما (إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ) ولم يُسَمَّ (فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ) له: (إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلعم بِالحَقِّ) سقطت التَّصلية لأبي ذَرٍّ (وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، وَكُنْتَ) بتاء الخطاب (مِمَّنِ اسْتَجَابَ للهِ وَلِرَسُولِهِ صلعم ) سقطت التَّصلية لأبي ذَرٍّ هنا أيضًا (فَهَاجَرْتَ الهِجْرَتَيْنِ) هجرةَ الحبشة وهجرةَ المدينة (وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم ) وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «رسول الله...» إلى آخره، (وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ) بفتح الهاء وسكون الدَّال، أي: طريقه صلعم (وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ) الكلامَ (فِي شَأْنِ الوَلِيدِ) بسبب شربه الخمرَ وسوء سيرته، وزاد معمر: «فحقَّ عليك أن تُقيم عليه الحدَّ» (قَالَ) عثمانُ لعُبيد الله: (أَدْرَكْتَ) أي: سمعتَ (رَسُولَ اللهِ صلعم ) وأخذتَ عنه؟ قال عُبيد الله: (قُلْتُ: لَا) / لم أسمعْه، ولم يُرِدْ نفيَ الإدراكِ بالسِّنِّ؛ فإنَّه وُلِدَ في حياة النَّبيِّ صلعم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في قصة مقتل(6) حمزة [خ¦4072] (وَلَكِنْ خَلَصَ) بفتح الخاء واللَّام بعدَهما صادٌ مهملة، أي: وصل (إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ) بضمِّ اللَّام؛ ما يصل (إِلَى العَذْرَاءِ) بالذَّال المعجمة؛ البِكر (فِي سِتْرِهَا) ووجهُ التَّشبيه: بيانُ حالِ وصول علمِه صلعم إليه كما وصل علم الشَّريعة إلى العذراء من وراء الحجاب؛ لكونه كان شائعًا ذائعًا، فوصوله إليه بطريق الأولى؛ لحرصه على ذلك (قَالَ) أي: عثمان: (أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلعم بِالحَقِّ) سقط التَّصلية لأبي ذَرٍّ (فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ للهِ وَلِرَسُولِهِ) صلعم (وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ) بفتح التاء خطابًا لعُبيد الله (وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم وَبَايَعْتُهُ) من المبايعة، بالموحَّدة (فَوَاللهِ؛ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ) بغين وشينين معجمات(7) مع فتح الأوَّلين وسكون الثَّالث (حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ) زاد أبو ذَرٍّ: ”╡“ (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ) بالرَّفع، ولأبي ذَرٍّ: ”مثلَهُ“ بالنَّصب، أي: مثلَ ما فعلتُ مع النَّبيِّ صلعم ‼ فما عصيتُه ولا غَشَشْتُه (ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”مثلَهُ“ بالنَّصب، أي: ما عصيتُه ولا غَشَشْتُه (ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ) بضمِّ الفوقيَّة الأولى والأخيرة مبنيًّا للمفعول (أَفَلَيْسَ) بهمزة استفهامٍ(8) (لِي) عليكم (مِنَ الحَقِّ مِثْلُ الَّذِي) كان (لَهُمْ) عليَّ؟ قال عُبيد الله: (قُلْتُ) له: (بَلَى، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟) بسبب تأخير إقامةِ الحدِّ على الوليد وعزلِ سعدٍ (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الوَلِيدِ؛ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا) ╩ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ) بعد أن شهد عليه رجلان أحدُهما: حمُران مولى عثمان أنَّه قد شرب الخمر كما في «مسلمٍ»، والرَّجل الآخر: الصَّعْبُ بنُ جثَّامة الصَّحابي، رواه يعقوب بن سفيان في «تاريخه»، وإنَّما أخَّر عثمانُ إقامةَ الحدِّ عليه؛ ليكشف عن حال مَن شهد عليه بذلك، فلمَّا وضح له ذلك الأمر عَزَلَه، وأمر عليًّا بإقامة الحدِّ عليه، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أن يَجلِدَ“ بإسقاط ضمير النَّصب (فَجَلَدَهُ) عليٌّ (ثَمَانِينَ) جلدةً.
          وفي رواية مَعْمَر في «هجرة الحبشة» [خ¦3872] فجُلِدَ الوليدُ أربعينَ جلدةً، قال في «الفتح»: وهذه الرِّواية أصحُّ من رواية يونس، والوهم فيه من الرَّاوي عنه وهو شبيب بن سعيد، ويرجِّحُ روايةَ مَعْمَرٍ ما في «مسلم»: أنَّ عبد الله بن جعفرٍ جلدَه، وعليٌّ يعُدُّ حتَّى بلغَ أربعينَ، فقال: أمسكْ، ثمَّ قال: جلد النَّبيُّ صلعم أربعين وأبو بكرٍ أربعين وعمرُ ثمانين، وكلٌّ سُنَّة وهذا أحبُّ إليَّ، ومذهب الشَّافعيِّ: أنَّ حدَّ الخمر أربعون؛ لما سبق في رواية معمرٍ، وحديثِ مسلمٍ عن أنس: كانَ النَّبيُّ صلعم يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين، نعم؛ للإمام أن يزيدَ على الأربعين قدرَها إن رآه؛ لِمَا سبق عن عمرَ، ورآه عليٌّ حيث قال: وهذا أحبُّ إليَّ، وقال كما في «مسلم»: لأنَّه إذا شربَ سَكِرَ وإذا سَكِرَ هَذَى وإذا هَذَى افْتَرَى، وحَدُّ الافتراءِ ثمانونَ، وهذه الزِّيادةُ على الحدِّ تعازيرُ لا حَدٌّ، وإلَّا لَمَا جاز تَرْكُه، واعتُرض بأنَّ وضع التَّعزيرِ النَّقصُ عن الحدِّ فكيف يُساويه؟ وأجيب بأنَّ تلك(9) الجنايات تولَّدت مِنَ الشَّارب، لكن قال الرافعيُّ: ليس هذا شافيًا؛ فإنَّ الجنايةَ غيرُ مُتَحقِّقةٍ حتى يُعزَّر، والجناياتُ التي تتولَّد مِنَ الخمر لا تنحصِرُ، فلتَجزِ الزِّيادة على الثمانين، وقد منعوها، قال: وفي تبليغ الصَّحابة الضَّرب ثمانين ألفاظٌ مشعرةٌ بأنَّ الكلَّ حَدٌّ، وعليه فحَدُّ الشَّارب مخصوصٌ مِن بين سائر الحدود بأنْ يتحتم(10) بعضُه ويتعلَّق بعضُه باجتهاد الإمام، ويأتي مزيدٌ لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله في «الحدود» [خ¦6779].


[1] «وبه»: ليس في (م).
[2] في غير (س): «رجع».
[3] «والسن»: ليس في (م).
[4] «قال»: ليس في (ب).
[5] في (م): «وقال».
[6] في (ب): «قتل».
[7] في (ص) و(م): «معجمتين».
[8] في (س): «الاستفهام».
[9] في (ب): «ذلك».
[10] في غير (س): «ينحتم».