إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة

          1137- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافع (قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ) ابن شهابٍ (الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد، وللأَصيليِّ: ”أخبرنا“ (سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ) أباه (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☻ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا) في «المعجم الصَّغير» للطَّبرانيِّ: أنَّ ابن عمر هو السَّائل، لكن يُعكِّر عليه ما في «مسلم»: عن ابن عمر(1) أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلعم _وأنا بينه وبين السَّائل_ وفي «أبي داود»: أنَّ رجلًا من أهل البادية (قَالَ / : يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟) أي: عددها (قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى) يُسلِّم من كلِّ ركعتين، و«مثنى» في محلِّ رفع خبر مبتدأٍ؛ وهو قوله: «صلاة اللَّيل»، والتَّكرير للتأكيد؛ لأنَّ الأوَّل مكرَّرٌ معنًى؛ لأنَّ معناه: اثنان اثنان؛ ولذلك امتنع من الصَّرف، وقال الزَّمخشريُّ: وإنَّما لم ينصرف؛ لتكرار العدل فيه، وزعم سيبويه أنَّ عدم صرفه؛ للعدل والصِّفة، وتعقَّبه في «الكشَّاف» بأنَّ الوصفيَّة لا يُعرَّج عليها؛ لأنَّها لو كانت مؤثِّرة في المنع من الصَّرف؛ لقلت: مررت بنسوةٍ أربعَ، مفتوحًا، فلما صُرف عُلم أنَّها ليست بمؤثِّرة‼، والوصفيَّة ليست بأصلٍ؛ لأنَّ الواضع لم يضعها لتقع وصفًا، بل عَرَض لها ذلك؛ نحو: مررت بحيَّةٍ ذراعٍ، ورجلٍ أسدٍ، فـ «الذِّراع» و«الأسد» ليسا بصفتين لـ «الحيَّة»، و«الرَّجل» حقيقةً (فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ) أي: دخول وقته (فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) ركعةٍ مفردةٍ، وهو حجَّةٌ للشَّافعيَّة على جواز الإيتار بركعةٍ واحدةٍ، قال النَّوويُّ: وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ بواحدةٍ، ولا تكون الرَّكعة الواحدة صلاةً قطُّ، والأحاديث الصحيحة تردُّ عليه، ومباحث ذلك سبقت في «باب الوتر» [خ¦993] وهذا الحديث يطابق(2) الجزء الأول من(3) التَّرجمة، وبه احتجَّ أبو يوسف ومحمَّد ومالك والشَّافعيُّ وأحمد: أنَّ صلاة اللَّيل مثنى مثنى؛ وهو أن يُسَلِّم في آخر كلِّ ركعتين، وأمَّا صلاة النَّهار؛ فقال أبو يوسف ومحمَّد: أربع، وعند أبي حنيفة: أربع في اللَّيل والنَّهار، وعند الشَّافعيِّ: مثنى مثنى فيهما، واحتجَّ بما رواه الأربعة من حديث ابن عمر مرفوعًا: «صلاة اللَّيل والنَّهار مثنى مثنى(4)». نعم؛ له أن يُحرِم بركعةٍ وبمئةٍ مثلًا، وفي كراهة الاقتصار على ركعةٍ فيما لو أحرم مطلقًا وجهان: أحدهما: نعم؛ يُكره بناءً على القول بأنَّه إذا نذر صلاةً لا تكفيه ركعةٌ، والثَّاني: لا، بل قال في «المطلب»: الَّذي يظهر استحبابُه خروجًا من خلاف بعض أصحابنا وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من أنَّه يلزمه بالشُّروع ركعتان، فإن لم ينو عددًا أو جَهِل كم صلَّى جاز، لما في «مسند الدَّارميِّ»: «أنَّ أبا ذرٍّ صلَّى عددًا كثيرًا، فلمَّا سلَّم؛ قال له الأحنف بن قيس: هل تدري انصرفت على شفعٍ أو على وترٍ؟ فقال: إن لا أكن أدري؛ فإنَّ الله يدري»، فإن(5) نوى عددًا؛ فله أن ينوي الزِّيادة عليه والنُّقصان منه، والعدد عند النُّحَاة: ما وضع لكمية الشَّيء، فالواحد عددٌ، فتدخل فيه الرَّكعة، وعند جمهور الحُسَّاب: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين على السَّواء، فالواحد ليس بعددٍ، فلا تدخل فيه الرَّكعة، لكنَّه يدخل في حكمه هنا بالأَولى؛ لأنَّه إذا جاز التَّغيير بالزِّيادة في الرَّكعتين؛ ففي الرَّكعة _الَّتي قيل: يُكره الاقتصار عليها في الجملة_ أَولى، ومعلومٌ أنَّ تغييرها بالنَّقص ممتنعٌ، فإن نوى أربعًا وسلَّم من ركعتين أو من ركعة، أو قام إلى خامسةٍ عامدًا قبل تغيير النِّيَّة؛ بطلت صلاته؛ لمخالفته ما نواه بغير نيَّة؛ لأنَّ الزَّائد صلاةٌ، فتحتاج إلى نيَّةٍ، ولو قام إليها ناسيًا، فتذكَّر وأراد الزِّيادة أو لم يُرِدْها؛ لزمه العودُ إلى القعود؛ لأنَّ المأتيَّ به سهوًا لغوٌ، وسجد للسهو آخر صلاته لزيادة القيام، ومن نوى عددًا؛ فله الاقتصار على تشهُّدٍ آخر صلاته، وله أن يتشهَّد بلا سلامٍ في كلِّ ركعتين، كما في الرُّباعيَّة، وفي كلِّ ثلاثٍ أو أكثر؛ كما في «التَّحقيق» و«المجموع»؛ لأنَّ ذلك معهودٌ في الفرائض في الجملة، لا في كلِّ(6) ركعةٍ؛ لأنَّه اختراع صورةٍ في الصَّلاة لم تُعهد، قاله في «أسنى المطالب».


[1] «عن ابن عمر»: سقط من (م).
[2] في (ب) و(س): «مطابق».
[3] «الجزء الأول من»: سقط من (م).
[4] «مثنى»: سقط في (د).
[5] في (د): «فلو».
[6] قوله «كل» ولعلَّ وجودها ضروري ليستقيم المعنى، وكتاب «المطلب العالي» ما زال مخطوطًا، وهي في «أسنى المطالب».