إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يصلي قبل الظهر ركعتين

          937- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ ، ولابن عساكر: ”عن ابن عمر“: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ) من المسجد إلى بيته (فَيُصَلِّي) فيه (رَكْعَتَيْنِ) لأنَّه لو صلَّاهما في المسجد لربَّما يُتوَهَّم أنَّهما اللَّتان حُذِفتا، وصلاة النَّفل في الخلوة أفضل، ولم يذكر شيئًا في الصَّلاة قبلها، والظَّاهر أنَّه قاسها على الظُّهر، وأقوى ما يُستَدلُّ به في مشروعيَّتها عمومُ ما صحَّحه ابن حبَّان من حديث عبد الله بن الزُّبير مرفوعًا: «ما من صلاةٍ مفروضةٍ إلَّا وبين يديها ركعتان» وأمَّا احتجاج النَّوويِّ في «الخلاصة» على إثباتها بما في بعض طرق حديث الباب عند أبي داود وابن حبَّان من طريق أيُّوب عن نافعٍ قال: «كان ابن عمر يطيل الصَّلاة قبل الجمعة، ويصلِّي بعدها ركعتين في بيته، ويحدِّث: أنَّ رسول الله صلعم كان يفعل ذلك» فتُعقِّب بأنَّ قوله: «كان يفعل ذلك» عائدٌ على قوله: «ويصلِّي بعد الجمعة ركعتين في بيته» ويدلُّ له رواية اللَّيث عن نافعٍ عن عبد الله: «أنَّه كان إذا صلَّى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثمَّ قال: كان رسول الله صلعم يصنع ذلك» رواه مسلمٌ، وأمَّا قوله: «كان يطيل(1) الصَّلاة قبل الجمعة» فإن كان المراد قبل(2) دخول الوقت فلا يصحُّ أن يكون مرفوعًا لأنَّه صلعم كان يخرج إذا زالت الشَّمس، فيشتغل بالخُطبة، ثمَّ بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذاك مُطلَقُ نافلةٍ، لا صلاةٌ راتبةٌ، فلا حجَّة فيه لسُنَّة الجمعة الَّتي قبلها، بل هو تنفُّلٌ مُطلَقٌ، قاله في «الفتح»، وينبغي أن يفصل بين الصَّلاة الَّتي بعد الجمعة وبينها، ولو بنحو كلامٍ أو تحوُّلٍ لأنَّ معاوية أنكر على من صلَّى سُنَّة الجمعة في مقامها، وقال له: «إذا صلَّيت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتَّى تخرج أو تتكلَّم، فإنَّ رسول الله صلعم ‼ أمرنا(3)بذلك، ألَّا تُوصَل صلاةٌ بصلاةٍ حتَّى نخرج أو نتكلَّم» رواه مسلمٌ، وقال أبو يوسف: يصلِّي(4) بعدها ستًّا، وقال أبو حنيفة ومحمَّدٌ: أربعًا كالَّتي قبلها، له: أنَّه ╕ كان يصلِّي بعد الجمعة أربعًا، ثمَّ يصلِّي ركعتين إذا أراد الانصراف. ولهما: قوله ╕ : «من شهد منكم الجمعة فليصلِّ أربعًا قبلها، وبعدها أربعًا(5)» رواه الطَّبرانيُّ في «الأوسط»، وفيه محمَّد بن عبد الرَّحمن السَّهميُّ، وهو ضعيفٌ عند البخاريِّ وغيره. وقال المالكيَّة: لا يصلِّي بعدها في المسجد لأنَّه صلعم كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد. وقال صاحب «تنقيح المقنع» من الحنابلة: ولا سُنَّة لجمعةٍ قبلها نصًّا وما بعدها في كلامه(6).
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه.


[1] في (م): «يصلِّي»، وليس بصحيحٍ.
[2] في غير (د): «بعد»، وليس بصحيحٍ.
[3] في (د): «أمر».
[4] في (ب): «نصلِّي».
[5] في (د): «وأربعًا بعدها».
[6] عبارة «الإقناع في فقه الإمام أحمد» (1/146): «ولا سنة لجمعة قبلها، وأقلها بعدها ركعتان وأكثرها ست، وفعلها في المسجد أفضل نصًّا».