إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة

          887- وبالسَّند إلى البخاريِّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هُرْمُزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَوْلَا) مخافة (أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي _أَوْ عَلَى النَّاسِ _) شكٌّ من الرَّاوي، ولأبي ذَرٍّ: ”أو لولا أن أشقَّ على النَّاس“ بإعادة: «لولا أن أشقَّ» وقد أخرجه الدَّارقُطنيُّ في «المُوطَّآت» من طريق «المُوطأ» لعبد الله بن يوسف شيخِ البخاريِّ، فيه بهذا الإسناد، فلم يُعِد: «لولا أن أشقَّ»، وكذا رواه كثير من رواة «المُوطَّأ»، ورواه أكثرهم بلفظ: «المؤمنين» بدل: «أمَّتي»، و«أنْ» في قوله: «لولا أن أشقَّ» مصدريَّةٌ في محلِّ رفعٍ على الابتداء، والخبر محذوفٌ وجوبًا، أي: لولا المشقَّةُ موجودةٌ (لأَمَرْتُهُمْ) أمرَ إيجابٍ (بِـ) استعمال (السِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ)‼ فرضًا أو نفلًا، فهو عامٌّ يندرج فيه الجمعة، بل هي أَوْلى لِمَا اختصَّت به من طلب تحسين الظَّاهر من الغسل والتَّنظيف والتَّطيُّب(1)، خصوصًا تطييب الفم الَّذي هو محلُّ الذِّكر والمناجاة، وإزالة ما يضرُّ بالملائكة وبني آدم من تغيُّر الفم، وفي حديث عليٍّ عند البزَّار: «أنَّ الملَك لا يزال يدنو من المصلِّي يستمع القرآن حتَّى يضع فاه على فيه...» الحديثَ، ولأحمد وابن حبَّان: «السِّواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرَّبِّ» وله وابن خزيمة: «فضل الصَّلاة الَّتي يُستاك لها على الصَّلاة الَّتي لا يُستاك لها سبعون ضعفًا». فإن قلت: قوله: «لولا أن أشقَّ على أمَّتي» في ظاهره إشكالٌ لأنَّ «لولا» كلمةٌ لربط امتناع الثَّانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيدٌ لأكرمتك، أي: لولا زيدٌ موجودٌ، وههنا العكس، فإنَّ الممتنع المشقَّة، والموجود الأمر إذ قد ثبت أمره بالسِّواك كحديث ابن ماجه عن أبي أُمامة مرفوعًا: «تسوَّكوا»، ونحوه لأحمد عن العبَّاس، وحديث «المُوطَّأ»: «عليكم بالسِّواك...»، أُجيب بأنَّ التَّقدير: لولا مخافة أن أشقَّ لأمرتكم أمرَ إيجابٍ، كما مرَّ تقديره، ففيه نفيُ الفرضيَّة، وفي غيره من الأحاديث إثبات النَّدبيَّة كحديث مسلمٍ عن عائشة ╦ : «عشرٌ من الفطرة...» فذكر منها: السِّواك. وقال إمامنا الشَّافعيُّ_ ☼ _ في حديث الباب: فيه دليلٌ على أنَّ السِّواك ليس بواجبٍ لأنَّه لو كان واجبًا لأمرهم به، شقَّ أو لم يشقَّ. انتهى. وقال الشَّيخ أبو إسحاق في «اللُّمع»: فيه دليلٌ على أنَّ الاستدعاء على جهة النَّدب ليس بأمرٍ حقيقةً لأنَّ السِّواك عند كلِّ صلاةٍ مندوبٌ، وقد أخبر الشَّارع أنَّه لم يأمر به. انتهى. والمُرجَّح في «الأصول»: أنَّ المندوب مأمورٌ به.


[1] في (د): «والتَّطييب».