الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب وجوب عيادة المريض

          ░4▒ (باب: وُجُوبِ عِيادَةِ المَرِيض)
          كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة، وتقدَّم حديث أبي هريرة في الجنائز: (حقُّ المسلمِ على المسلم خمسٌ) فذكر منها عيادة المريض، قالَ ابنُ بطَّالٍ: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع، ويحتمل أن يكون للنَّدب، وجزم الدَّاووي(1) بالأوَّل.
          وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب / في حقِّ بعضٍ دون بعض، وعن الطَّبَريِّ: تتأكَّد في حقِّ مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُه، وتُسَنُّ فيمَن يُرَاعَى حالُه، وتُبَاح فيما عدا ذلك، ونقل النَّوويُّ الإجماع على عدم الوجوب، يعني: على الأعيان.
          واستُدلَّ بعموم قوله: (عودوا المريض) على مشروعيَّة العيادة في كلِّ مريض، لكنِ استثنى بعضُهم الأَرْمَد، لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو، وهذ الأمر خارجيٌّ، قد يأتي مثلُه في بقيَّة الأمراض كالمغمى عليه، وقد عقَّبَه المصنِّف به، وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم: ((عادني رسول الله صلعم مِنْ وجع كان بعيني)) أخرجه أبو داود وصحَّحه الحاكم، وهو عند البخاريِّ في «الأدب المفرد» وسياقُه أتمُّ، وأمَّا ما أخرجَه البَيْهَقيُّ والطَّبَرانيُّ مرفوعًا: ((ثلاثة ليس لهم عيادة: العَين والدُّمَّل والضِّرس)) فصحَّح البَيْهَقيُّ أنَّه موقوف على يحيى بن أبي كثير، ويُؤخَذ مِنْ إطلاق الحديث أيضًا عدم التَّقييد بزمانٍ يمضي مِنِ ابتداء مرضه، وهو قول الجمهور.
          وجزم الغزاليُّ في «الإحياء» بأنَّه لا يُعاد إلَّا بعد ثلاث، واستند إلى حديث أخرجَه ابنُ ماجَهْ عن أنس: ((كان النَّبيُّ صلعم لا يَعُودُ مَرِيْضًا إلَّا بعد ثلاث)) وهذا حديث ضعيف جدًّا، تفرَّد به مَسْلَمة بن عليٍّ وهو متروك، وقد سُئِل عنه أبو حاتم فقال: هو حديثٌ باطل. انتهى.
          ثمَّ ذكر الحافظ الكلام على آداب العيادة، فارجع إليه لو شئت.
          وفي «هامش اللَّامع»: بسط الكلام على المسألة في «الأوجز»، وحديث ابن ماجَهْ ذكره ابن الجَوزيِّ في «الموضوعات»، وكذا ابنُ طاهرٍ المقدسيُّ في «تذكرة الموضوعات»، وذكر السَّخاويُّ له شواهد في «المقاصد الحسنة»، وقال السِّنْديُّ: لعلَّه إن صحَّ يُحمَل على أنَّه لتحقُّق مرضه، أي: يؤخَّر حَتَّى يتحقَّق عنده أنَّه مريض. انتهى.
          وأطال الزَّرقانيُّ الكلام عليه في «شرح المواهب». انتهى..


[1] في (المطبوع): ((الداودي)).