الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من ذبح قبل الصلاة أعاد

          ░12▒ (باب: مَنْ ذَبَح قَبْلَ الصَّلاةِ أعاده)
          ربَّما يُتوهَّم في بادئ الرَّأي ألَّا فرق بين هذه التَّرجمة والتَّرجمة السَّابقة، فإنَّ ألفاظهما وإن كانت مختلفةً إلَّا أنَّ المؤدَّى واحد، وبهذا لا يخرج عن التَّكرار كما تقدَّم مبسوطًا في الأصل الثَّاني والعشرين مِنْ أصول التَّراجم.
          والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ في الفرق بين التَّرجمتين أنَّ هاهنا مسألتين: إحداهما وقت الذَّبح وهو بعد الصَّلاة، فلو ذَبح أحدٌ قبله لم يجزئْه كما عليه الجمهور خلافًا للشَّافعيَّة، والثَّانية: هل يجوز الذَّبح بعد الصَّلاة مطلقًا أم يتوقَّف على شيء آخر؟ وفي هذه المسألة خلاف مالك.
          قالَ الحافظُ: نقل الطَّحاويُّ عن مالكٍ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ: لا تجوز أُضْحِيَّة قبل أن يَذبح الإمامُ، وهو معروف عن مالكٍ والأوزاعيِّ لا الشَّافعيِّ، فالتَّرجمة الأولى ردٌّ على المالكيَّة، إذ حاصلها أنَّ الذَّبح بعد الصَّلاة يَصِحُّ وإن لم يُضَحِّ الإمام، و[أما] التَّرجمة الثَّانية: فهي مسألة أخرى مِنْ أنَّ الذَّبح لا يصحُّ قبل الصَّلاة.
          ويمكن أن يقال: إنَّ التَّرجمة الأولى ردٌّ على المالكيَّة كما تقدَّم، والتَّرجمة الثَّانية ردٌّ على الشَّافعيَّة إذ أباحوا الذَّبح بعد مضيِّ قدر وقت الصَّلاة وإن لم يصلِّ الإمامُ بعدُ، فالإمام البخاريُّ قد وافق الحنفيَّة والحنابلة إذ قالوا: لا يجوز قبل الصَّلاة، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام.
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: اختُلف في وقت الأضحيَّة: فعند الشَّافعيَّة بعد مضيِّ قدر صلاة العيد وخطبتها مِنْ طلوع الشَّمس يوم النَّحر، سواءٌ صلَّى أم لا، مقيمًا بالأمصار أم لا، وعند الحنفيَّة وقتها في حقِّ أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته، وفي حقِّ غيرهم مِنْ طلوع الفجر، وعند المالكيَّة بعد فراغ الإمام مِنْ الصَّلاة والخُطبة والذَّبح، وعند الحنابلة لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبحه. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».