الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول النبي لأبى بردة: ضح بالجذع

          ░8▒ (باب: قَول النَّبيِّ صلعم لأَبي بُرْدَة: ضَحِّ بالجَذَع مِنَ المَعْز...) إلى آخره
          أشار بذلك إلى أنَّ الضَّمير في قَول النَّبيِّ صلعم في الرِّواية الَّتي ساقها: (اذبحها) للجذعة الَّتي تقدَّمت في قول الصَّحابيِّ: إنَّ عندي داجنًا جذعة مِنَ المعز.
          ثم قالَ الحافظُ: وفي هذا الحديث تخصيص أبي بُرْدة بإجزاء الجذع مِنَ المعز في الأضحيَّة، لكن وقع في عدَّة أحاديث التَّصريحُ بنظير ذلك لغير أبي بُرْدَة، وفي حديث عُقبة بن عامر كما تقدَّم قريبًا: ((ولا رخصة فيها لأحدٍ بعدك)) قال البَيْهَقيُّ: إن كانت هذه الزِّيادة محفوظة كان هذا رخصةً لعقبة، كما رخَّص لأبي بُرْدَة، قلت: وفي هذا الجمع نظر، لأنَّ [في] كلٍّ منهما صيغةَ عموم فأيُّهما تقدَّم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثَّاني... إلى آخر ما بسط في الجمع بينهما.
          وأمَّا مسألة الباب فقد قالَ الحافظُ: وفي الحديث أنَّ الجَذَع مِنَ المعز لا يُجْزِئ وهو قول الجمهور، وعن عطاء وصاحبه الأوزاعيِّ: يجوز مطلقًا، وهو وجهٌ لبعض الشَّافعيَّة، حكاه الرَّافعيُّ.
          وقالَ النَّوويُّ: هو شاذٌّ أو غلط، وأغربَ عِياضٌ فحكى الإجماع على عدم الإجزاء، وأمَّا الجَذَع مِنَ الضَّأْن فقالَ التِّرمِذيُّ: إنَّ العمل عليه_أي على أنه لا(1) يجوز_ عند أهل العلم مِنْ أصحاب النَّبيِّ صلعم وغيرهم، لكن حكى غيرُه عن ابن عمر والزُّهْريِّ أنَّ الجَذَع لا يُجْزِئ مطلقًا سواءٌ كان مِنَ الضَّأن أم مِنْ غيره، وبه قالَ ابنُ حزم وعزاه لجماعة مِنَ السَّلفِ، وأطنب في الرَّدِّ على مَنْ أجازه.
          ثم قال: واختلف القائلون بإجزاء الجذع مِنَ الضَّأن وهم الجمهور في سنِّهِ على آرَاء: أَحَدُها: أنَّه ما أكملَ سَنَةً ودخل في الثَّانية، وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة، وهو الأشهر عند أهل اللُّغة. ثانيها: نصف سنة وهو قول الحنفيَّة والحنابلة. ثالثها: سبعة أشهر، وحكاه صاحب «الهداية» مِنَ الحنفيَّة عن الزَّعْفرانيِّ، وغير ذلك مِنَ الأقوال الَّذِي ذكرها الحافظ، وقد قال صاحب «الهداية»: إنَّه إذا كانت عظيمة بحيث لو اختلطت بالثَّنيَّات اشتبهت على النَّاظر مِنْ بعيدٍ أجزأت. انتهى ملخَّصًا مِنَ «الفتح».
          وبسط الكلام على مباحث حديث الباب، وكذا في مذاهب العلماء في «هامش اللَّامع»، وفيه: قالَ الموفَّقُ: لا يُجزِئ إلَّا الجَذَع مِنَ الضَّأْن والثَّنِيُّ مِنْ غيره، وبهذا قالَ مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي، وقالَ ابنُ عمر والزُّهريُّ: لا يجزئ الجَذعُ، لأنَّه لا يجزئ مِنْ غير الضَّأن فلا يجزئ منه، وعن عطاء والأَوْزاعيِّ: يجزئ الجَذَع مِنْ جميع الأجناس. انتهى مختصرًا.


[1] قوله: ((لا)) ليس في (المطبوع).