الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب في أضحية النبي بكبشين أقرنين ويذكر سمينين

          ░7▒ (باب: أُضْحِيَّة النَّبيِّ صلعم بِكَبْشَيْنِ...) إلى آخره
          لعلَّ المصنِّف أشار إلى أفضليَّة الكبش في الأضحيَّة، أو إلى أفضليَّة الذِّكر، ويؤيِّد الأوَّلَ قولُه صلعم: ((خَيْرُ الأُضْحِيَّة الكَبْشُ الأَقْرَن...)) الحديث، كما في «التَّرغيب» برواية أبي داود والتِّرمذيِّ وابن ماجَهْ، وفي «التَّوشيح»: وأفضل أنواع الأضحيَّة بالنِّسبة لكثرة اللَّحم ومِنْ حيثُ إظهارُ شعار الشَّريعة إبلٌ، ثمَّ بقرٌ، ثمَّ غنَمٌ، وأمَّا مِنْ حيثُ أَطْيَبِيَّة اللَّحم فالضَّأْن أفضلُ مِنَ المعز، ثمَّ الجواميس أفضلُ مِنَ العراب لطيب لحمها عن لحم العراب... إلى آخر ما ذكر.
          وفي «الدُّر المُخْتَار»: الشَّاة أفضلُ مِنْ سُبْع البقرة إذا استويا في القيمة واللَّحم، فإنْ كان سُبع البقرة أكثرَ لحمًا فهو أفضل، والكبش أفضلُ مِنَ النَّعجة، وهي الأنثى مِنَ الضَّأن إذا استويا فيهما، والأنثى مِنَ المعز أفضلُ مِنَ التَّيس إذا استويا قيمةً، والأنثى مِنَ الإبل والبقر أفضلُ. ومشى ابن وهبان على أنَّ الذَّكر في الضَّأن والمعز أفضلُ، لكنَّه مقيَّد بما إذا كان موجوءًا، قالَ العلَّامةُ عبد البرِّ: ومفهومه أنَّه إذا لم يكن موجوءًا لا يكون أفضل. انتهى بزيادة مِنْ «حاشية ابن عابدين».
          قالَ الحافظُ: والكبش: فحلُ الضَّأن في أيِّ سنٍّ كان، واختُلف في ابتدائه فقيل: إذا أثنى، وقيل: إذا أربع، ثمَّ قال في فوائد الحديث: وفيه أنَّ الذَّكر في الأضحيَّة أفضلُ مِنَ الأنثى، وهو قول أحمد، وعنه رواية أنَّ الأنثى أولى، وحكى الرَّافعيُّ فيه قولين عن الشَّافعيِّ، أحدهما: عن نصِّه في البُوَيطيِّ الذَّكرَ لأنَّ لحمه أطيبُ، وهذا هو الأصحُّ، والثَّاني: أنَّ الأنثى أولى، وقالَ ابنُ العربيِّ: الأصحُّ أفضليَّة الذُّكور على الإناث في الضَّحايا، وقيل: هما سواء... إلى آخر ما ذكر مِنَ الفوائد.
          ولا يبعد عندي أن يقال: إنَّ المصنِّف ⌂ أراد بهذه التَّرجمة التَّرغيب في تسمين الأضحيَّة، ولذا ذكر أثر أبي أمامة، والمعروف على الألسنة في هذا المعنى قوله صلعم: ((سَمِّنُوا ضَحَايَاكُم فإنَّها على الصِّراط مَطَايَاكُم)) لكنْ لمَّا كان الحديثُ ضعيفًا أشار إلى مضمونه.
          ثمَّ اعلم أنَّ هذا الحديث اختُلف في لفظه، فذكره صاحب «البدائع» بلفظ: <عَظِّمُوا ضحاياكم... > إلى آخره، وذكره السَّخاويُّ في «المقاصد الحسنة» بلفظ: ((اسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُم فإنَّها مَطَايَاكُم عَلى الصِّرَاط))، وقال: أسنده الدَّيْلميُّ مِنْ طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة رفعه بهذا، ويحيى ضعيف جدًّا، ووقع في «النِّهاية» لإمام الحرمين، ثمَّ في «الوسيط» ثمَّ في «العزيز»: ((عظِّمُوا ضَحَايَاكُم فإنَّها عَلى الصِّراط مَطَايَاكُم)) وقال: الأوَّل معناه أنَّها تكون مراكب للمضحِّين، وقيل: إنَّها تسهِّل الجوازَ على الصِّراط، لكن قد قالَ ابنُ الصَّلاح: إنَّ هذا الحديث غيرُ معروفٍ ولا ثابت فيما علمناه، وقالَ ابنُ العربيِّ في «شرح التِّرمذيِّ»: ليس في فضل الأضحيَّة حديث صحيح، ومنها قوله: ((إنَّها مطاياكم إلى الجنَّة)). انتهى.
          وذكر الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]:((شعائر الله، [أي]: أوامره، ومِنْ ذلك تعظيم الهدايا والبُدْن، كما قَال الحَكَمُ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: تَعْظِيمُها اسْتِسْمانُها واسْتِحْسَانها، ثمَّ ذكر أثر أبي أمامة المذكور في ترجمة الباب، وعزاه إلى البخاريِّ. /